تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أفغـانســــتان.. مراجعة أعمق للاستراتيجية الأميركية

شؤون سياسية
الأربعاء 30-9-2009م
غالب حسن محمد

بعد الصورة القاتمة التي رسمها أكبر القادة العسكريين الأمريكيين مؤخراً في أفغانستان وبعد تنامي وتزايد المعارضة التي يبديها عدد من الديمقراطيين البارزين بدأ الرئيس الأمريكي أوباما إعادة تقييم شاملة للجهد العسكري لبلاده في تلك الحرب قد تفضي إلى تغيير الأهداف الاستراتيجية للمهمة الأمريكية في أفغانستان.

إذ من الممكن أن تؤدي هذه المراجعة إلى تقليص الجهود المتعلقة بالاصلاح السياسي في أفغانستان وتنمية اقتصادها حتى يتسنى للولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك التركيز أكثر على ملاحقة «القاعدة» وحلفائها المقربين بوساطة فرق للعمليات الخاصة والطائرات من دون طيار، ومثل هذا الجهد يمكن أن يغني عن الحاجة إلى مزيد من الجنود كما يقول عدد من المسؤولين والخبراء.‏

منذ أسابيع شرع المسؤولون العسكريون في التمهيد لطلب زيادة قوات إضافية حيث حذر الجنرال ستانلي ماكريستل قائد القوات الأمريكية وقوات التحالف في أفغانستان في تقرير سري من أن المهمة الأفغانية باتت تواجه خطر الفشل في حال لم يتم إرسال المزيد من القوات.‏

يذكر أن نسخة غير سرية من تقرير ماكريستل أصبحت متاحة للجمهور بعد أن سربت لموقع صحيفة «واشنطن بوست» على الانترنيت في الأيام الأخيرة، غير أن البيت الأبيض طلب من الجنرال ماكريستل ألا يقوم برفع طلبه بشأن تعزيز عديد القوات الأمريكية في أفغانستان رسمياً الآن ريثما تنتهي الإدارة من مراجعة تقريره.‏

كما يقول مسؤولون عسكريون وحكوميون وفي هذه الأثناء ظهر الرئيس الأمريكي أوباما في عدد من المقابلات التلفزيونية خلال عطلة نهاية الأسبوع متسائلاً بشأن الأسس التي تقوم عليها المقاربة الأمريكية الحالية وهي استراتيجية وافق عليها في آذار الماضي فقط، غير أن البيت الأبيض لم يوضح الوضع للجمهور واكتفى بالقول: إن أوباما عاقد العزم على استكمال «تقييم استراتيجي» قبل اتخاذ أي قرار بشأن إرسال مزيد من القوات الأمريكية إلى أفغانستان من عدمه ولكن تجدد النقاش شكل صدمة لبعض المسؤولين الذين كانوا يعتبرون أن مسألة استراتيجية أمريكية واسعة في أفغانستان قد حسمت بشكل نهائي، حيث كان عدد من المسؤولين العسكريين يتهافتون يوم الاثنين الماضي لمعرفة حجم التغييرات التي قد تطرأ وفي هذا الإطار يقول مسؤول حكومي «إن وقت هذا النقاش يفترض أن يكون في تشرين القادم».‏

وجاء التغيير في موقف البيت الأبيض بعد أن أمر أوباما بإرسال 21 ألف جندي أمريكي إضافي إلى أفغانستان للمساعدة على تنظيم الانتخابات الأفغانية في الشهر الماضي والتي اعتبرت مزورة على نطاق واسع غير أن النقاش يعتبر في الواقع أعمق ويتجاوز مسألة عديد القوات الأمريكية في أفغانستان، حيث تساءل الرئيس أوباما صراحة حول إذا ما كانت استراتيجية الجنرال ماكريستل الشاملة لمحاربة التمرد ومحاربة الفساد وتحسين الأداء الحكومي وزيادة التنمية الاقتصادية تستحق إرسال الجنود الإضافيين الذين تحتاجهم.‏

أما البديل بالنسبة للإدارة الأمريكية فهو هدف ضيق يركز في المقام الأول على ملاحقة «القاعدة» إضافة إلى زعامة «طالبان» ومجموعات متطرفة أخرى وهو ما يتطلب عدداً أقل من الجنود الـ 68 ألفاً المعتمدين حالياً للحرب.‏

وفي هذا الإطار يتساءل أوباما على قناة «سي إن إن» يوم الأحد 19/9/2009: «هل نتبع فعلاً الاستراتيجية الصحيحة في أفغانستان؟» بينما أوضح على قناة «إم بي سي» أنه سيقوم بتوسيع وتعزيز جهود محاربة التمرد فقط في حال كان ذلك يخدم هدف القضاء على «القاعدة» إذ قال: إنني لست مهتماً بأن أكون في أفغانستان فقط من أجل أن أكون في أفغانستان، أو توجيه رسالة مفادها بأن أمريكا ستبقى هناك للفترة التي يقتضيها الأمر».‏

وبعد أن وافق الرئيس أوباما على الاستراتيجية الأمريكية في أفغانستان وباكستان في آذار الماضي انتقل المسؤولون العسكريون لتطبيق مقاربة لمحاربة التمرد وقام مسؤولو «البنتاغون» بموازاة مع ذلك باستبدال القائد السابق للقوات الأمريكية في أفغانستان بالقائد الجنرال ماكريستل وكان ماكريستل هو الذي قاد قوات العمليات الخاصة ضد زعماء «القاعدة» في العراق وأفغانستان ولكنه قام على عجل بوضع استراتيجية لتوسيع جهود حماية الشعب الأفغاني من «طالبان» والمجموعات المتمردة الأخرى.‏

والواقع إنه من غير الواضح حتى الآن عدد الجنود الإضافيين الذين تحتاجهم استراتيجية الجنرال «ماكريستل» غير أن عدداً من مسؤولي الإدارة الكبار تنتابهم شكوك بشأن وجاهة صواب فكرة خطة موسعة لمحاربة «التمرد» إذ يفيد عدد من التقارير بأن نائب الرئيس «جو بايدن» ورئيس موظفي البيت الأبيض رام إيمانويل من بين أقوى الأصوات المنادية بمهمة محددة في أفغانستان غير أن الرأي المخالف قوي بعد التجاوزات وعمليات الغش التي ظهرت في الانتخابات الأفغانية الأخيرة ما أدى إلى تنامي الشكوك في جدوى الحرب بين ديمقراطيي الكونغرس وتراجع التأييد للمهمة الأفغانية بين الأمريكيين بشكل عام.‏

إن التطورات الأخيرة عملت على تقوية الحجة التي كان يدفع بها بعضهم والمتمثلة في أن استراتيجية حشد الدعم للحكومة المركزية في أفغانستان تشوبها عيوب واختلالات.‏

وكان الرئيس أوباما قد أشار في وقت سابق وذلك في ظهور له مع رئيس الوزراء الكندي إلى أن إدارته تباشر مراجعة أعمق للإستراتيجية الأمريكية في أفغانستان إذ قال: «من المهم أيضاً أن نقوم بتقييم للجانب المدني والجانب الدبلوماسي والجانب التنموي وأن نحلل نتائج الانتخابات ثم نتخذ بعد ذلك القرارات اللازمة للتقدم إلى الأمام».‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية