تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


« بناء الهيكل »... مقدمـــات الأســـرلة النهــائية للقـدس

شؤون سياسية
الأربعاء 30-9-2009م
حكمت فاكه

في عام 1995، أقر الكونغرس الأمريكي قانوناً باعتبار القدس عاصمة لـ«اسرائيل». ونص القانون على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في موعد لا يتجاوز نهاية آيار 1999.

غير أن القانون منح الرئيس الأمريكي صلاحية تأجيل نقل السفارة مدة ستة أشهر قابلة للتجديد بعد ابلاغ الكونغرس بذلك. وهكذا التزمت الإدارات الأمريكية في وثائقها الرسمية بأن القدس عاصمة لـ«اسرائيل». أما نقل السفارة فلا يزال يتأجل ستة أشهر بعد أخرى بقرار من الرئيس الأمريكي احتواء لردود الفعل العربية والإسلامية. والآن يدرس الكونغرس مشروع قانون جديد ينتزع من الرئيس صلاحية التأجيل، ويعطيه مهلة أخيرة تنتهي في نهاية عام 2012 لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس.‏

وقد جاء المشروع الجديد في الوقت الذي ترتفع فيه الضجة في العالم ضد الاجراءات التي تفرضها «اسرائيل» على الأراضي الفلسطينية المحتلة ولا سيما على القدس. وأخطر ما في هذه الاجراءات، إقامة نموذج كبير لهيكل يهودي، يخطط الاسرائيليون لبنائه على أنقاض المسجد الأقصى.‏

والمتأمل للمواقف السياسية والمخططات -الاستيطانية- المتعلقة بالمدينة المقدسة، يتضح أمامه المشروع الصهيوني دون رتوش. وهذه كلها بدأها -تيودور هرتزل- مؤسس الحركة الصهيونية في المؤتمر الصهيوني الأول في بال بسويسرا عام 1897 عندما قال: «إذا حصلنا يوماً على القدس وكنت ما أزال حياً وقادراً على القيام بأي شيء، فسوف أزيل كل شيء ليس مقدساً لدى اليهود فيها، وسوف أدمر الآثار التي مرت عليها القرون».‏

وحين استلم -ديفيد بن غوريون- رئاسة الحكومة الاسرائيلية، سجل ادعاء بقوله: «لا معنى للقدس دون الهيكل»! ثم لحقه -شلومو جورين- الذي يطلقون عليه في «اسرائيل» (كبير أحبار اليهود) ليقول: «إن الصهيونية وأهدافها ستبقى معرضة للخطر ما دام المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة قائمين أمام أعين المسلمين وأفئدتهم، لذا يجب ازالتهما من على سطح الأرض»! وحتى (بطل السلام) المزعوم اسحاق رابين لم يبخل علينا بتحديد مفهوم الأمن في أنه «يكمن في السيطرة على وادي الأردن وعلى القدس موسعة وموحدة وعاصمة أبدية لدولة «اسرائيل». وهو ما أكده -أرييل شارون- في زيارته للقدس التي فجرت الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الثانية في أيلول 2000.‏

ومن الثابت أنه منذ عام 1967 يتشكل واقع صهيوني جديد في زهرة المدائن ينذر بتغيير كل شيء فيها. فالمشروع الاسرائيلي يهدف إلى محاصرة العرب الفلسطينيين -مسلمين كانوا أم مسيحيين- وتضييق الخناق عليهم تمهيداً لطردهم (بهدوء)، أو في أحسن الأحوال، حصرهم في أحياء معينة داخل القدس القديمة وبعض القدس الشرقية خارج السور، مع توسيع حدود القدس الغربية بصورة قسرية، تمييعاً للهوية المقدسية في مشروع ما يسمى «القدس الكبرى».‏

وعملياً، لم يبق من القدس التاريخية سوى ميل مربع واحد (أصغر من الفاتيكان) يشكل البقية الباقية من المدينة المقدسة داخل الأسوار. وفي هذا الكيلومتر المربع، يوجد الحرم الشريف وقبة الصخرة ومسجد عمر وغيرها من المقدسات الاسلامية. وفيه توجد كنيسة المهد والقبر المقدس ومقدسات مسيحية عديدة أخرى. وفي حائط البراق الذي يسميه اليهود «حائط المبكى». وفيه تلة صهيون المطلة على المدينة، يوجد قبر داوود، وموقع العشاء السري الأخير، وفي تلة الزيتون يوجد الجثمانية، وهو الموقع الذي بعث فيه السيد المسيح حياً وصعد إلى السماء، كما يعتقد بوجود قبر مريم ويوسف والكنيسة التي تقوم عليهما. ومن أجل ذلك، هذا الكيلومتر المربع الواحد الغني بتراث ديني يشمل الرسالات السماوية الثلاث، وتريد «إسرائيل» إزالة هذا التراث وتحويل المدينة إلى مدينة يهودية لدولة يهودية.‏

فماذا ينتظر العرب والمسلمون؟!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية