|
آراء شهرنار تصبُّ جام حكاياها على شهرماء.. وبليلةٍٍ واحدة تروي له قصصاً إخبارية عن ألفِ منافق ومنافق.. شهرماء يفكِّر في صمت المتعطش العاقل لمعرفة ما يدور من خبايا في دهاليز الصالونات المفتوحة على مصارع الثرثره, والمغلقة على مظاهر العنترة.. إنها فئةٌ اصطلح على تسميتها /وجهاء وأعيان المدينة/ إنهم على الأبواب يا سيدي لقد دبَّ خلافٌ عنيفٌ بينهم وبين بعض المديرين في المؤسسات العامة من أصحاب المناصب الرفيعة في المواهب البديعة, والذين يستخدمون تلك الزمرة الوجَهائية للحفر تحت بعضهم بعض إلى أن يتحقق ما يصبو إليه كلُّ واحدٍ منهم ليخرج للشعب معلناً نزاهة وصوله تحت شعار:عرف المنصبُ أهله فتقدم, والحقيقة كَثرَ النبشُ تحته فتهدم.. أيها الحرَّاس: اقبضوا على تلك الجمهرة المنافقة وضعوها في السجن. بغنج وملاحة الأنثى تمسحُ عن جبينه العرق المتصبب من شدة الغضب متابعةً نشرتها الليلية معلِّقةً وشارحةً تارةً, ومسهبةً في التوضيح تارةً أخرى, وبالصوت والصورة تشرح الأموره, و شهرماء يمعن التفكير بمصير الكبير والصغير. لا يخفى على أحدٍ كيف يتمكن الوصوليون الانتهازيون من تحقيق مآربهم عبر قنوات التوافد إلى هذا المسؤول أو ذاك, والذي قَدِمَ وفكره ينضح بالمشاريع المختلفة ومنها توضيب الحالة الاجتماعية الإدارية داخل مؤسسته ليصاب بالذهول من هول مايسمع من هذا الوجية أو ذاك. مديراً على رأس عمله كان أم متقاعداً منضمَّاً إلى جوقة الأعيان التي تتفشخرُ في أحاديثها الجانبية أمام الأقارب والأصدقاء وبعض الجيران. كيف قابلها المسؤول الفلاني والمدير العلاَّني وما دار بينهم من هرجٍ ومرج, والهدف دب الرعب في قلوبهم, والتماس المكانة الاجتماعية المتفوقة عليهم, وحجةُ اللقاء بالمسؤول حاضرةٌ حضور الشَعر الكثيف في رأس شابٍ لطيف /تهنئة باستلام منصب, أو تهنئة بعيد ميلاد, أو قدوم مولود جديد, والبقية تأتي في الأعياد الدينية والوطنية أو في ذكرى من الأذكار من غابر الأدبار/. وها هو المسؤول الجديد يقضي ساعاته الأولى خلف مكتبه حائراً بين موجة تصديق وأمواج تكذيب إلى أن يغلب الهمُّ على أمره ويصبح متوجساً خوفاً من وصول ألسنة هؤلاء الدعاة المنافقين إليه فيذهب أدراج رياحهم القذرة, ولن يرى بداً من الإصغاء إليهم إلى أن ينقلب على أعقابه شيئاً فشيئاً وبصرخة المكبوت يعلن استسلامه بطريقة مواربةٍ باتباع نفس أسلوبهم في التدليس والتهليس على مرأى إبليس, ومع مرور الوقت, وقبل أن يكمل عامه الأول يمسي صديق أماسيهم يستقبل الفحشاء والمنكر وينهى عن المصدر. فلماذا يُسمح لهؤلاء بالتجمهر أمام الأبواب التي من المفترض أن تكون مفتوحةً لهموم الشأن العام هموم الشعب قلباً على قلب؟! إن المتفحِّصَ الممحِّصَ في أحوالهم وتقلبات أهوائهم يراهم بعين العقل جهلاً على جهل يراوغون المواطن بمعسول حديثهم وهيبة حضورهم على الضعفاء المساكين, وبوجبةٍ من وجبات المطاعم السريعة يعترف المظلومُ أنه ظلم الظالمَ فيصبح الظالمُ مظلوماً, فلا تؤاخذنا أيها الوجيه وسلِّم لنا عليه. وبينما كان شهرماء يدقِّقُ في كل حرفٍ يخرج من شفاه شهرنار يأتي أحد الحراس حاملاً نبأ موت جميع المنافقين الذي أمر شهرماء بسجنهم, والسبب جلطةٌ دماغية حادَّة خوفاً من العقوبة والمثول أمام القانون... وانفرجت أسارير شهرماء فهم المذنبون الذين عاثوا فساداً وصل حدَّ ارتكاب الجرائم دون رادعٍ يردع, أو وازعٍ يمنع. الحمد لله على سلامة المدينة من تلك الزمرة اللعينة تقول شهرنار وفي عينيها بارقةُ خجل تسدُّ ساطعة الأمل. على قلق الفرح يطلب منها الإفصاح فالعينُ مغرفة الكلام, وعيناها تنبيان عن خطر جديد, فما الذي يدور في رأسها العنيد؟؟ تندسُّ وراء الستارة وتعود وفي يدها خارطةً وقد رسمت دائرةً حمراء على تخوم الأرض الشرقية للمدينة والتي تبين عدداً من المقاسم ذات الملكية العامة, ومواقع بعض المؤسسات والمعامل التي تمت خصخصة بعضها لتنتقل ملكية الشعب إلى ملكية خاصة, وبالأسى نفسه تهمس.. كيف تمَّ صرفُ عدد من الموظفين, والإبقاء على القلة القليلة منهم كعمالٍ دائمين وتحويل البقية إلى عمالٍ موسميين, وهذا يعني يا سيدي التخلص من نفقات الطبابة على أنغام الربابة, والتملص من دفع التعويض العائلي عند التقاعد على التباعد بما فيها أيضاً تعويضات إصابة العمل لقرب الأجل, وتخفيض الأجور على حدِّ قول «شمهور» .... أين شمهور؟؟ أحضروه لي... إن قيمة الإنسان بعمله بكدِّه بعرق زنديه بصلابة يديه وهي تأكل الآلة وتشرب ضوء الشمس وعتمة الليل. إن الركض وراء جمع المال بطرقٍ غير مشروعة.. بالنفاق, بالكذب, بالحسد الذي لا بدَّ يوماً أن يأكل صاحبه إن لم يجد ما يأكله. كل هذا يضعنا على قارعة الانحطاط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي, ويجعلنا على موعدٍ دائمٍ مع التخلف عن ركب أمواج الحضارة الإنسانية. فلا بدَّ أن نثور في وجه هذا الثور, فمن يؤازره ويدعم أفكاره التي أثقلت على العباد بنقص الزاد على المزاد؟؟.. وتهمس مرةً أخرى: يا سيدي فوق هذا وذاك تسعى تلك الأيدي الظاهرة الخفية سعي الثعابين للتهرب الضريبي وعدم دفع مستحقات الخزينة العائدة للمدينة.. ليعيش من يقترف تلك الأعمال الدونية مع زبانيته بريء الذمَّةعلى حساب لقمة الأمَّة.... وفارت الدماء في عروق شهرماء ضارباً كفَّاً بكف قافلاً بقية النص طالباً رأس ذاك اللص, وبينما هو على هذه الحال حضر «شمهور» وفي يده مشعلُ البخور متعوِّذاً مما رأى وشاهد وسمع من مُترفات البِدع. مولاي: لقد خرجت أرواح المنافقين من وجهاءٍ وأعيان ودخلت متقمِّصةً أجساد ألف منافقٍ ومنافق من الورثة الشرعيين لهم..... وشهرنار مازالت تصبُّ جام الملح على فاغر الجرح, والحكمة تقرع باب شهرماء «لا بدَّ من إعادة النظر في مثل هذا الخبر» وبحكمة العاقل جلس قرب شهرنار مغازلاً إياها بلسان حال صديقه شاعر الآلام «نديم محمد»: رأرأ الفجرُ فاسبقي خطوةَ النورِ أزيحي عن النفاق ستارا ً . |
|