تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ميثاق خانه أصحابه!

كل أربعاء
الأربعاء 30-9-2009م
سهيل ابراهيم

منذ أن خلع الراحل الشيوعي العنيد نيكيتا خروتشوف حذاءه ذات مرة في أواسط القرن الماضي وقرع به على الطاولة أمامه اعتراضاً على كلام استهجنه في مداولات الأمم المتحدة، منذ ذلك الوقت

لم تشهد القاعة الفسيحة للجمعية العامة للأمم المتحدة حدثاً دراماتيكياً مثل الحدث الذي أشعله قائد ثورة الفاتح من أيلول الأخ العقيد معمر القذافي، حين مزق الميثاق الأممي على الهواء بأصابعه ونحاه جانباً، اعتراضاً على خروقات متعمدة انتهكته على أيدي القوى العظمى على مدى اكثر من ستين عاماً تحولت فيها الأمم المتحدة من ملاذ للأمم المستضعفة لتحصيل حقوقها، إلى غطاء لجبابرة العالم كي يفتكوا بالأمم المستضعفة، وينهشوا لحمها، ويمتصوا دمها بتشريع أممي ملفق أو دون تشريع!‏

الفارق بين الرجلين خروتشوف والقذافي أن الأول كان ينام على وسادة يخبئ تحتها ترسانة نووية تكفي لتدمير كوكبنا الأرضي أكثر من مرة، وخلف ظهره اتحاد سوفييتي ينتشر على جغرافيا قارتين، يقارع بالأيديولوجيا والسلاح قوة عظمى مماثلة حررت رأس المال من كل عقال، وحررت السوق من كل قيد وصوبت صواريخها العابرة للقارات الحاملة للرؤوس النووية نحو النجمة الحمراء التي تلتمع في سماء موسكو، طالعة من ساحة الكرملين المقر الرسمي للزعماء السوفييت الذين توالوا على قيادة المنظومة الشيوعية، من لينين إلى غورباتشوف منظر البيروستريكا ورجل المغيب الأخير، أما الثاني وأعني به الأخ معمر، فهو ينام على وسادة يخبئ تحتها ذكرى منشأة نووية فككها بمشيئته، وذهبت السفن بحطامها إلى الموانئ الأمريكية منذ أعوام بعد غزو العراق، وخلف ظهره لاشيء سوى الصحراء الليبية، وأحلام تتجول في الغابات الخضراء من تشاد إلى جنوب إفريقيا، تربع الأخ معمر فوق أجنحتها ملكاً لملوك أفريقيا لا ينقصه سوى الأمر، والنهي والطاعة المفقودة ليقود القارة السمراء من إحدى خيامه، وينصبها قوة عظمى في عالم اليوم مجردة من السلاح، ومكتنزة بالأحلام التي لاتشبع من جوع!‏

في المبدأ لم يكن غضب القائد العربي الليبي الذي أوصله إلى تمزيق الميثاق أتياً من فراغ، فلقد طفح الكيل منذ زمن والأمم المتحدة ومجلس أمنها، باتا راعيين للفوضى الكونية لا حكمين في النزاعات بين الأمم، والقرار الأممي بات سوطاً مسلطاً على ظهور الضعفاء الذين يفتشون عن حقوقهم في غابة كونية لا حقوق فيها إلا للكواسر، ومصطلح المجتمع الدولي جف مضمونه ولم يعد يعني سوى الحصان الطروادي الذي يسهل لجبابرة الأرض طرق الهيمنة والاحتلال ووضع اليد على مصائر الأمم، والفيتو مملوك في قبضة واحدة باتت اليوم ومنذ أن حطت الحرب الباردة أوزارها تمسك بزمام الدنيا، فتطوب من تشاء قاتلاً مباركاً تحت جناحها وتطارد الضحايا في خرائب شقائهم التاريخي فتلقي عليهم ثوب الإرهاب وتحلَ دمهم، في كل قطر ومصر ! والمحاكم الأممية الطيارة لا تنتصب أقواسها، ويدفأ ناموس العدل في إهاب قضاتها إلا حينما تعثر على طريدة بلا مخالب يسهل شواؤها على نار الشرعية الدولية المسخرة لمصالح الكبار، والمباركة بحصانة تخلعها على موظفيها الماهرين في خدمة الاستخبارات الدولية، قوى قاهرة لم يلامس ضميرها يوماً طهر العدل!‏

هذا المجتمع الدولي، وهذه الشرعية الدولية لم يكونا يوماً وفيين للميثاق الأممي، ولم يخلصا يوماً لمفهوم العدل، ولم يرجعا حقاً لمظلوم، ولم يقتصا يوماً من ظالم، فعلامَ إذن نسلمهما مصائرنا، ونعطيهما أصواتنا كلما حان وقت الاقتراع على قضايا كوننا المعقدة!‏

ليست العلة في الميثاق ياأخ معمر، وتمزيقه على المنبر الأممي لن يغير في وجه المنظمة الدولية وقراراتها شيئاً، العلة فينا نحن الحالمين بقوة لا تحميها الأظافر، والراكضين خلف عدل لايستوي ميزانه إلا بالقوة، أما دعوتك إلى العصيان فهي جديرة بالتضامن، فمن في أمتنا سوف يهب ليشد على يدك، ولو من باب صلة الرحم القومي!!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية