|
رؤية نحن مغرمون بالقضايا الكبرى, بالأسئلة الكبرى, بالأزمات الكبرى والمنعطفات الكبرى... بكل هذه الكلمات الكبرى التي تملأ الفم وتسد العين... وبسبب غرامنا الملتهب هذا ننشغل, غالباً, عن التفاصيل الصغيرة والتي تتراكم وتتراكم حتى تغدو تلالاً كبيرة... تلالاً كبرى دون أن تصبح مرئية مع ذلك.. يحلو للمسرحيين أن يتحدثوا عن أزمة بنيوية في المسرح, أزمة ذات أبعاد تاريخية سيسيولوجية معرفية تعكس ذهنية ما قبل حداثية, وتضرب جذورها عميقاً في الوعي أو اللاوعي (لا أحد يعرف بالضبط) الجمعي... وبالطبع ففي غمرة انشغالهم بهذه المصطلحات الكبرى لا أحد يستطيع لومهم إذا ما نسوا بعض التفاصيل الصغيرة التافهة كأن ينسوا مثلاً إحضار ستارة للعرض, أو يهملوا إصلاح اللمبات في سقف المسرح أو يتأخروا في إصلاح الدرجات المكسورة التي يتزحلق عليها الجمهور الباسل المكافح, أو يفوتهم أن الصالة بحاجة الى تهوية إذ ليس من الضروري أن يختنق جمهور المسرح الجاد حتى يثبت أنه جمهور جاد أيضاً. يعيش القائمون على السينما انشغالاً وسواسياً مماثلاً, فأزمة السينما ليست بالبساطة التي نتصورها -هكذا يكررون- انها أعمق بكثير... وبلا شك فإنهم عندما يكونون على هذا المستوى من العمق, لن يعود بمقدورهم الخروج الى السطح لمعالجة التفاصيل السطحية, كأن يجعلوا من الصالات القليلة المتبقية أماكن صالحة لتواجد البشر. ينسى مسؤولو النشر صنع أغلفة جميلة لكتبهم, وينسى مدراء المراكز الثقافية إصلاح الميكروفونات والمكيفات في مراكزهم, وينسى منظمو المهرجانات الترويج لمهرجاناتهم... ثم ماذا بعد...? لقد أثبت هؤلاء جميعهم أنهم لن يستطيعوا -في المدى المنظور على الأقل- إيجاد مخارج وحلول لأزماتهم الكبرى, فلماذا إذن لا يجربون طريقاً معاكساً, أي أن يبدؤوا بمعالجة التفاصيل الصغيرة والتي بالتأكيد يستطيعون فعل شيء إزاءها ثم.. من يدري? ربما يكتشفون أن الأزمات الكبرى ليست سوى حصيلة هذه التفاصيل... |
|