تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ديكتاتورية أردوغان ونياته المبيتة

شؤون سياسية
الثلاثاء 2-7-2013
د.أحمد نزار الوادي

يبدو أن تركيا بدأت تتجرع من كأس ما يسمى الربيع العربي في وقت بات يمارس فيه حزب العدالة والتنمية سياسة الكيل بمكيالين مرة تراه مع الشعوب العربية لنيل حقوقها ، وبنفس الوقت يمارس سياسة القتل ومحاربة الشعب التركي الذي يطالب برحيل أردوغان,

فالشعب التركي خرج معبرا عن سخطه وغضبه مشكلا ربيعا تركيا من خلال انتفاضة شعبية سلمية ضد حكومة أردوغان المتطرفة وحزبه الرجعي المتخلف وهو أمر طبيعي نظرا للسياسات الحمقاء التي درج عليها أردوغان وحكومته خلال السنوات الاحدى عشرة الماضية في العديد من الملفات الداخلية والخارجية , فالتراكمات الاجتماعية وانتهاكات حقوق الأتراك من الأطياف المتعددة والاعتقالات العشوائية والنيران التي أشعلت في سورية كانت هي الأسباب الحقيقية لغضب شعبي يتزامن مع غضب سياسي ولاسيما أن الشعب التركي قد دفع ثمنا باهظا نتيجة لسياسة حزب العدالة والتنمية الفاشية التي لم توفر صديقا في العالم إلا ناصبته العداء وتحول صفر المشكلات الذي كان يتحدث عنه أوغلو قبل سنوات إلى صفر أصدقاء وانتشرت عداوات الحكومة التركية في أنحاء العالم نتيجة انعدام الوزن لكل السياسيين الذين يربطون مصيرهم بمصير مشيخات قطر والسعودية والغرب وبالمصير الأمريكي الاسرائيلي متجاهلين إرادة شعوبهم .‏

ولعل الأزمة التي بدأت تعصف بتركيا سوف تكشف الكثير من الخفايا التي كان يخفيها أردوغان عن شعبه وخاصة المجموعة التي أدلت بأصواتها لصالحه ولصالح حزبه السلفي ذلك الحزب الذي يخفي ويبطن خلاف مايظهر , فمنذ اليوم الأول لبدء الاحتجاجات في ساحة تقسيم في استنبول وغيرها من المدن التركية جاء رد العدالة والتنمية واضحا بصورة تعكس طبيعته الباطنية وعدوانيته الأكيدة فقد دعا مناصريه للتظاهر بمواجهة المحتجين والمعارضين المطالبين بالحفاظ على البيئة ومنع إقامة مركز تجاري لمصلحة ابن أردوغان شخصيا وعمل أردوغان على تقسيم المجتمع التركي ناسيا أنه رئيسا لوزراء تركيا وليس زعيما لحزبه ومناصريه الذين حملوه إلى الحكم .‏

وفي داخل حزبه وداخل كتلته البرلمانية فإنه يسعى إلى إحداث تغييرات دستورية تخدم مطامعه الديكتاتورية استعجالا للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المنتظرة في العام القادم وهي أصبحت بعيدة عنه بعدما تكشف للشعب التركي حقيقة أردوغان ونواياه المبيتة ضد شعبه فمايجري في تركيا ليس وليد اللحظة وإنما نتيجة جملة من الأسباب والمقدمات والعوامل التي هيأت للبركان الشعبي الذي يشكل البداية الفعلية لنهاية حكم أردوغان وديكتاتوريته ولعل من أهم هذه الأسباب :‏

1- تغلغل حزب العدالة والتنمية في مجمل المؤسسات التركية وفرض ايديولوجيته الاخوانية عليها إضافة إلى كتم صوت الإعلام واعتقال عشرات الصحفيين ومئات الناشطين والحقوقيين.‏

2- وصول حزب العدالة والتنمية بفضل اللعبة الديمقراطية إلى السلطة وتحوله إلى حزب شمولي دكتاتوري بدأ من خلاله بتهميش وإقصاء المعارضة السياسة .‏

3- تقسيم المجتمع التركي طائفيا وسياسيا وقوميا بحكم ايديولوجية أردوغان الاخوانية .‏

4- لم ينجح أردوغان في حل جملة من القضايا والمشكلات المزمنة في تركيا رغم وعوده بتحقيق الديمقراطية بل ساهم بوعوده الكاذبة بتفاقم هذه المشكلات .‏

5- إن أردوغان الذي وعد بسياسة صفر مشكلات وإقامة عالم إسلامي له عمق شرق أوسطي يجعل من المنطقة قوة كبيرة في مواجهة استهداف الغرب انقلب على هذه السياسة وعاد إلى ربط تركيا بالغرب كليا وجعلها أداة وظيفية في الاستراتيجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط .‏

6- رغم نجاح التجربة الاقتصادية لحكم حزب العدالة والتنمية في تخليص تركيا من الديون وتحقيق نمو اقتصادي والحد من نسبة البطالة إلا أنها لم تنعكس ايجابيا على مستوى الحياة المعيشية فثمة فساد مالي واقتصادي منظم بدأ يظهر داخل أوساط حزب العدالة والتنمية حيث تؤكد احصائيات وزارة الاقتصاد والتجارة التركية لعام 2013 انخفاض معدل النمو الاقتصادي من 9,2% عام 2010 إلى أقل من 3% عام 2012وارتفاع نسبة البطالة إلى حدود 10% وارتفاع نسبة السكان تحت خط الفقر إلى 25% من اجمالي السكان البالغ عددهم 80 مليون نسمة وبلغت نسبة الدين العام بحدود 40% من الناتج المحلي الاجمالي البالغ أكثر من 1,2 تريليون دولار والتي ستصل إلى 52,4% من اجمالي الناتج المحلي في نهاية عام 2015 حسب احصاءات صندوق النقد الدولي بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم والبطالة وتكبد الاقتصاد التركي لخسائر فادحة قدرت بحوالي /15/مليار دولار نتيجة لموقف أردوغان الموالي للغرب ضد سورية .‏

وفي سياق ذلك نشير إلى أن مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية أوضحت أن دعم أردوغان للمجموعات الارهابية المسلحة في سورية هو القنبلة الموقوتة التي تؤدي إلى تصاعد حدة الاحتجاجات ضد سياسة أردوغان والتي كانت قد سبقت المظاهرات التي شهدتها تركيا من خلال خروج الآلاف من السكان الغاضبين إلى الشوارع معبرين عن غضبهم من سياسة أردوغان نتيجة لدعمه المجموعات الارهابية التكفيرية المسلحة في سورية وقد أكد كمال كيليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي أن تركيا تحولت بسبب سياسات أردوغان الاخوانية إلى دولة حاضنة للمنظمات الارهابية والراديكالية العالمية وتقوم بتمويل هذه المنظمات وتدعمها بجميع صنوف الأسلحة المتطورة وتسهل مرورها للأراضي السورية للقيام بأعمال ارهابية ضد الشعب السوري, منوهين في ذلك أيضا إلى التجربة الاخوانية في مصروتشابهها مع التجربة الاخوانية في تركيا , فتحت ستار الاسلام عبر الحكم الاخواني عن نهج ديكتاتوري متعال في الداخل بهدف الهيمنة على مقدرات الشعوب كما يفصح في الخارج عن صورة التابع والخانع للسيد الأقوى , فكما يبحث مرسي عن رضا واشنطن وتل أبيب وأموال النفط العربي تحت شعار «الالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية» الذي تحول إلى مجرد غطاء تجميلي لارتهان الاخوان المسلمين بالكامل لكامب ديفيد بما يعنيه حقيقة من رهن قرار مصر ومكانتها الاقليمية والدولية وقيامه بقطع علاقاته مع سورية واعلان الحرب عليها كذلك يعلن أردوغان أنه رجل الناتو ورجل الدرع الصاروخية ضد روسيا وايران والرجل الذي صوت لصالح أمريكا في حربها على العراق في البرلمان التركي كما أنه الرجل الذي أعلن عشرات المرات أنه الشريك الاقليمي في مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيوأمريكي قلبا وقالبا فأعلن حزب العدالة والتنمية التركي بيعه القضية وتحول إلى أداة خطيرة بيد القوى الامبريالية والصهيونية وفتح حدوده لكل ارهابيي العالم خدمة للحرب على سورية .‏

لكن صمود سورية شعبا وجيشا وقيادة وافشالها المشروع الرجعي كشف المتآمرين على حقيقتهم وسيسقطون واحدا تلو الآخر مع تحقيق انجازات جديدة في الميدان وعليه فإن ربيع المنطقة الحقيقي بدأ من تركيا صيفا حارقا لينهي أحلام أردوغان العثمانية وصولا إلى مصر وممالك ومشيخات البترودولار وهو مابدأت ملامحه تلوح في الأفق بعزم «حمدي» قطر على التنحي وبعبارة اخرى فإن محور المقاومة انتصر في معركته على المشروع الغربي والرجعي العربي كمقدمة لولادة عالم متعدد الأقطاب تقوم العلاقات فيه على أساس احترام سيادة الدول واستقلالية قرارها واحترام مصالح شعوبها .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية