|
الملحق الثقافي ولكن قليلها هو من نجا من سيطرة الأفكار الأيديولوجية، على الروح الأدبية، فبدا أن كثيراً من تلك المؤلفات، مجرد أفكار، وأقوال، وحالات، ومواقف لها علاقة بالإيديولوجية، أكثر مما لها علاقة بالإبداع الأدبي. حيث شكلت العمليات العسكرية، والتجسسية، والاستخباراتية، إغراء لدراما بأنواعها، عبر التاريخ من خلال أعمال مهمة، حظيت بجماهيرية واسعة، في العالم الغربي «جيمس بوند» والعالم العربي «رأفت الهجان» «الغالبون» «أنا القدس» و»رجال الحسم» «الحفار» «الطريق إلى إيلات». ثم ظهر نوع درامي جديد سمي «دراما الجاسوسية» أو «الدراما الوطنية» انقسم النقاد حوله، بين مؤيد ومعارض، وشغله العرب لأهداف أيديولوجية ووطنية معينة، وسط كثير من الظروف الخاصة والضرورات الأمنية، التي تتطلبها حالة الحرب القائمة مع الكيان الصهيوني، مثل سورية والمقاومة الإسلامية، حزب الله، ومصر والأردن خرجتا من هذا الصراع بعد اتفاقية كامب ديفيد.
ولابد هنا، من الاعتراف والإشارة بالتطور النوعي لمسلسل «الغالبون» لرجال المقاومة الإسلامية «حزب الله» الجزء الأول من العام الماضي إلى الجزء الثاني لهذا العام، الذي تناول فيه عمليات رجال المقاومة، في جنوب لبنان، حيث تشعر وأنت تشاهد العمل، وكأنك تشاهدهم، في كل قرية، وشارع، إلى بيروت، وضاحيتها المستهدفة، إلى البقاع، إلى الجبل، إلى الشمال، وإلى الجنوب، وفي كل اللحظات، وكأنهم كانوا في كل الأمكنة من بيروت، وسجلوا بالصوت والصورة وتاريخ أجمل المراحل القتالية وكيفية استبسال المقاتل، في ساحة المعركة. وهي المرة الثانية التي نشاهد فيها، مثل هذه الأعمال، في هذه المرحلة الدقيقة والمهمة للغاية، على الشاشة الوطنية «المنار» الذي شاهدناه طيلة شهر رمضان المبارك. تنحاز مثل هذه الأعمال، إلى الإبداع العربي الذي عالج قضية هذا الصراع، الشائك والمستطيل، من حالة لأخرى، على امتداد رقعة زمنية تجاوزت «نصف قرن» من الأذى، والظلم، والعدوان. إن هذا المسلسل في أجزائه، جديدة في طريقة بنائها، وقدرتها على أسر المشاهد، وأخذه إلى عالم الإضمار الظاهر والتخفي، وكأن ما يحدث في عالم آخر غير هذا العالم العربي المتخاذل الذي نعرفه اليوم، وهو أيضاً مسلسل طازج وحار في مشاهدته. كما اكتسبنا من خلاله، كثيراً من مهارات رجال المقاومة، أثناء تنفيذ العمليات في ذلك الوقت، البعيد القريب، حتى أنهم تمكنوا من اختراق الضباط الإسرائيليين والحصول على معلومات مهمة للغاية لصالح المقاومة، بكل سهولة. وكل ذلك من دون الخوف الطبيعي الذي يجب أن يصيب أي ضابط مخابرات مدرب، فما بالك بشخص عادي دافعه الأول الشهادة في سبيل الله، وثانياً الانتقام من هذا العدو الغادر؟ النص منطقي في كل الأحداث التي شاهدنها في العمل، ورسمت الخطوط بيد كاتب مميز في حرفية الكتابة الدكتور فتح الله عمر. طبعاً لا ينبغي أن ننسى رغم هذا كله، أن أساس العمل التلفزيوني الناجح، هو النص، وأن المخرج لا يمكن له النجاح من دون نص جيد، مهما بلغت مراهناته على الجانب البصري والصياغة الشكلية للعمل. وعلى صعيد الأداء الإخراجي بدا المخرج، رضوان شاهين، في «الغالبون» حيوياً في إدارة كاميراته، متمكناً من صناعة أجواء مشهدية تنبض بالإحساس الوطني، الذي يعبر عنه، بحركة مسرحية هادئة وقادرة على تكثيف الإحساس الداخلي باللحظة الدرامية، وعلى رسم المعاني عبر تفاعل خلاق مع عناصر المشهد، وأجواء المكان، وعبر التوازن والاقتراب من كل هذا، لربطه بالداخل والابتعاد عنه لرؤية علاقته بالمحيط، كما استطاع، المخرج، أن يضبط الإيقاع العام، على وقع الإحساس بالتفاصيل الوطنية، لا اجترار المشاعر الميلودرامية التي عادة ما تهبط بالإيقاع وتستنزف التعبير. كما لا يمكن في الوقت نفسه إغفال أداء الفنان القدير، أحمد الزين أبو حسين، الذي طبع شخصيته بشفافية وعذوبة، وشخصيات أخرى جاءت في تأملنا، لأداء الممثلين، نلحظ فعالية الإدارة الإخراجية، لبعض هؤلاء مع حضور حرفية البعض منهم، ورؤيتهم الخاصة لشخصياتهم، على العموم هي جميعاً، منسجمة في أدائها مع هوية العمل والتوجه الفني الذي طبع رسم الأدوار ونسج العلاقات. ويبقى عملاً وطنياً يضاف إلى رصيد المخرج، في صنع أعمال جماهيرية، ذات سوية تقنية وفنية، وضع كل إمكاناته في خدمة روح العمل ومضمونه، فإنه يبقى عملاً له مسحته الوطنية الذي استطاع أن يلامس شغاف القلوب عبر نجاح فني محقق، رغم أنه لم يوزع على القنوات العربية. وأخيراً، يبدو أننا بحاجة إلى قرار سياسي، للسماح بمشاهدة مثل هذه الأعمال على الشاشات العربية، لمشاهدة مضامينها، وأفكارها، وأشكالها. |
|