تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


النظرية النقديّة العربية

الملحق الثقافي
2-7-2013م
نذير جعفر

يدعو بعض الحداثيين إلى ضرورة القطيعة المعرفية مع التراث للدخول في مشروع تحديث العقل والثقافة العربيين. وتستتبع هذه الدعوة الأخذ بنتاج الفكر الغربي في العلوم والآداب، ومنها النظرية النقديّة

ومحاولة تطبيقها على النصوص الشعريّة والسرديّة العربيّة. وتُقابَل هذه الدعوة بالرفض من المتمسّكين بالتراث، الذين يعدّونها بمثابة حصان طروادة لاستعارة وتمرير ثقافة الغرب وهيمنتها من جهة ومطابقتها بدلاً من الاختلاف معها ومساءلتها من جهة ثانية.‏

وحجّتهم في ذلك أن ما يمكن تطبيقه على الآداب الأوروبية لا يمكن تطبيقه على الأدب العربي، لأن لكل أدب سياقه الحضاري المختلف الذي أنتجه. وما بين هاتين الدعوتين هناك اتجاه ثالث يدعو إلى التوفيق بين الأخذ عن التراث العربي وعن الغرب بما يحقّق ثنائية الأصالة والمعاصرة. فيما يذهب أنصار الاتجاه الرابع إلى رفض هذه الثنائية التي تسمح للثقافة الغربية بالتسلّل تحت عنوان «المعاصرة» وطمس الهوية التراثيّة.‏

لذلك نراهم يدعون إلى تحقيق شرعية التراث العربي بالاتصال معه والمحافظة على هويته وتجديده دون الانفصال عن الآخر الأوروبي، وأخذ كل ما هو قيّم فيه. ويبدو د. عبد العزيز حمودة أشد المتحمسين لهذا الاتجاه والمبشّرين به في كتابه «المرايا المقعّرة» الذي يقول فيه: «سنحاول تأسيس، شرعية التراث العربي النقدي دون انفصال، أي انفصال عما يدور حولنا وما تنتجه وما أنتجته بالفعل ثقافات الآخرين.. تراثنا العربي من الثراء والتنوّع، بل والمعاصرة، بحيث يكفي لرفض القطيعة المعرفيّة معه، أننا لو وصلنا ما انقطع معه فسوف نصبح قادرين على تطوير نظرية لغوية ونقدية عربية تأخذ من التراث أفضل ما فيه، ومن الآخر خير ما يقدّمه، وما يتّفق مع ذلك التّراث الخاص، وإذا لم نفعل ذلك فسوف ينتهي بنا الأمر، عاجلاً قبل آجلاً، إلى تبعية ثقافية قد يصعب الانعتاق منها فيما بعد ص84».‏

تبدو دعوة الدكتور حمودة المنافحة عن التراث محقّة في مجال نقد الشعر، وذلك لسببين: الأول أن الشعر هو ديوان العرب الأول، ولهم فيه تراث عريق على مستوى النوع والكم. والثاني أن لنقد الشعر عند العرب أيضاً تراث واسع ويعتدّ به ويمكن الاتكاء عليه وتحديثه وتطويره. ولكن ما الذي يمكن قوله في مجال فنون المسرح، والرواية، والقصّة القصيرة، ونقدها، وكلها فنون محدثة وغربيّة على الرغم من وجود بعض الجذور التي لا يعوّل عليها في تراثنا سواء على مستوى النصوص أم النقد الأدبي والفنّي لها؟‏

وفيما نرجّحه ليس للثقافة أو للنّقد في عصرنا العولمي هذا جنسية محدّدة، ولكن لهما خصائص أو سمات تطبعهما بطابع البلد أو المجتمع الذي تنتميان إليه. فالثقافة الإنسانية واحدة، ونحن نقرأ ونتأثر بالمسرح اليوناني كما نتأثر بالرواية الروسية والشعر الفرنسي. كما أنّهم يتأثرون بما يقرؤونه لنا. وفي السياق ذاته واهم من يظنّ أنّ هناك نظرية نقديّة فرنسية أو ألمانية أو روسية أو عربيّة، إنما هناك نظريّات ومدارس واتجاهات نقديّة في العالم تحمل بعض خصائص ثقافة بلدانها وتطبّق على النصوص الأدبيّة بمختلف انتماءاتها الوطنية والقومية. وإذا كانت النظريات في مجال العلم التجريبي تلغي إحداها الأخرى فإنها في العلوم الإنسانية ومنها النقد لا تدير ظهرها للموروث باعتباره تراكمات كمية يلغي جديدها قديمها، بل تظل على اتصال بهذا الماضي بقدر ما تحقّق انفصالها عنه أيضاً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية