تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لماذا يتحتم أن نتجه شرقاً؟

شؤون سياسية
الثلاثاء 3-7-2012
بقلم: علي الصيوان

يقترف الإمبرياليون, ومن يرتهن لهم, جرائم متلاحقة في سورية. إنهم يسفكون دماء أبنائها، ويخربون بنيتها التحتية, ويفرضون عليها عقوبات اقتصادية لإيذائها واكراهها على أن تكون موقعا مقطوع الصلة بدورها التاريخي في استنهاض العرب ضد الغزوة الصهيونية.

فداحة الجريمة في اغتيال كمال غناجة, المناضل الفلسطيني, تقود إلى المدى الذي يمكن أن تذهب إليه بيئة الارتهان الإسلاموي للإمبرياليين في الاعتداء على سورية.‏

من علائم هذه البيئة ما بثته التلفزة الاسرائيلية عن تعاون المتمردين الإسلامويين عند الحدود مع تركيا مع “بعثة مساعدات اسرائيلية”!!!.‏

وما خفي أعظم حين يتعلق الأمر بمساحة بيئة التعاون المحمولة على خرق عميم لعقيدة الاشتباك الأصلية بين الخندقين السوري والاسرائيلي. وهو الخرق الذي يندرج عند الإسلامويين المرتهنين لواشنطن, في باب “ليس بعد الكفر ذنب”, على أساس أن التعاون مع الاسرائيليين في جميع المجالات, هو في منزلة الصغيرة المتفرعة عن كبيرة كبائر التعاون مع الإمبريالية.‏

ومن تحصيل الحاصل أن تتسع بيئة التعاون الإسلاموي-الاسرائيلي لتمكين الموساد من قتل غناجة.‏

وهذا سبب مضاف للتدقيق في البيئة الناشئة عن هذا التحالف في بلدان “الربيع الإسلاموي”, من تونس إلى مملكة السعوديين, مرورا بقطر وليبيا ومصر واليمن, لأن مساحات التعاون هنا تشمل مختلف جوانب الحياة العامة العربية؛ وبما يعيد تشكيلها وفق قواعد اشتباك تخرج بها “اسرائيل” من قائمة أعداء العرب, وبما يرسي دعائم ما تسميه واشنطن “الشرق الأوسط الكبير”.‏

في هذا العالم المنقسم في السياسة والاقتصاد والاجتماع يتعين على العرب, وعلى سورية بخاصة, أن تعيد ترتيب حساباتها, في محصلة مراجعة نقدية صارمة لفك الارتباط مع النظام الإمبريالي العالمي ودوله القائدة في الشمال الأمريكي والغرب الأوروبي, ضماناً لتحصين السيادة الوطنية والقومية, وتفعيلا للحكمة القائلة “الباب الذي تأتيك منه الرياح سدّه فترتاح”.‏

ثمة أسباب موجبة لفك ارتباط سورية بالبلدان الإمبريالية سابقة على عدوانها غير المباشر والجاري بيد حلفائها الذين تمدهم بالسلاح والدعم اللوجستي, بما فيه المعلومات الاستخبارية وأجهزة الاتصال.‏

أما بعد العدوان فإن هذه الأسباب الموجبة تزداد راهنية وإلحاحا, إعمالا لمقولة شوبنهاور: “ما لم يقتلك يقويك”, المشفوعة بالحكمة في “رب ضارة نافعة”.‏

يمكن تلخيص هذه الأسباب بانتفاء أي مسوغ لتسليم رقبتنا للإمبرياليين في تعاملاتنا الاقتصادية الخارجية. فقد عاقب الإمبرياليون سورية اقتصاديا. وقد استمد “قانون” الكونغرس الأمريكي 2003؛ المسمى “قانون محاسبة سورية”, زخمه بانخراط أوروبا الغربية في توسعة تفعيله.‏

وقد تحقق إيذاء سورية بالعقوبات التي فرضت حظرا في التعاملات الاقتصادية استيرادا وتصديرا. وهذا وحده سبب كاف لإعادة تقويم السياسة التي قامت على فلسفتها هذه التعاملات.‏

اذ بصرف النظر عن قاعدة بيانات تحدد حجم أذية سورية من التعاملات مع السوق الإمبريالية قبل العقوبات, فإن الأذية الملموسة بعد الحظر العقابي, توجب مراجعة هذه السياسة في جذورها وفلسفتها, لا سيما في حصرية التعاملات مع السوق الإمبريالية. وهي الحصرية المساوية لـ«وضع البيض كله في سلة واحدة»!!!. وهي التي تنشئ تلقائيا الارتهان الاقتصادي والسياسي.‏

ماذا بعد؟‏

إن توجيهات السيد الرئيس بشار الأسد في الاجتماع الأول لحكومة الدكتور رياض حجاب في 26/6/2012, التوجه شرقا, تختزن الانعتاق من الارتهان للسوق الإمبريالية.‏

وشدد سيادته على أن وجهة التعاملات السورية الاقتصادية المنشودة يجب أن تنأى عن الدول التي استعمرتنا بشكل مباشر, وتستعمرنا بشكل غير مباشر.‏

وهنا يتبلور أمامنا سبب مضاف, موجب لفك الارتباط مع السوق الإمبريالية. هو ما يتصل بتعيين العدو, والتمييز بينه وبين الصديق.‏

منذ التصريح الثلاثي 1950 الذي ألزمت به واشنطن ولندن وباريس نفسها بضمان أمن “اسرائيل” وتفوقها على العرب مجتمعين, ارتكب بعض العرب مفارقة الفصل بين رأس الأفعى الصهيوني وبين جسمها المتكون من الدول الإمبريالية, أي خزان سمومها. فنسجوا أوطد الصلات مع الجسم بما تمكنت معه “اسرائيل” من اللدغ, تشغيلا لدورها الوظيفي الإمبريالي.‏

رساميل بعض العرب مودعة في المصارف الإمبريالية. وصفقات تجارتهم تعقد في دولها. وهم يصطافون في منتجعاتها وكازينوهاتها. وتبعا لمحددات بيئة علاقة كهذه مع الإمبرياليين, كانوا ولا يزالون يرسمون حساباتهم السياسية بما يعادون معه مَن تعاديه الإمبريالية.‏

وبمعيار فني محض فإن هذه “السياسة” خرقاء, لأنها تخلط بين العدو والصديق.‏

وسورية لم تتلطخ بهذه “السياسة”. بقرينة أن رئيساً سورياً واحداً لم يزر الولايات المتحدة منذ الاستقلال 1946.‏

بيد أن نقيصة الجشع الرجعية التجارية العابرة للدول العربية لطخت استقلالية السياسة السورية, من بوابة التعاملات الاقتصادية مع السوق الإمبريالية. وشرّعت باب الفساد والإفساد, على نحو استولد ارتهان بعض السوريين المعيشي لماكينة السوق الإمبريالية, بدليل فعالية “قانون محاسبة سورية” الأمريكي وتوابعه الأوروبية.‏

وسيجد التوجه شرقا عزوفاً إجرائياً من فرسان النقيصة الرجعية التجارية, الذين استمرؤوا, كمبرد النجار, “الأكل عالطالع وعالنازل”؛ من السماسرة الإمبرياليين, ومن ضحاياهم “مواطنيهم” الأعزاء!.‏

ولا يردع فرسان هذه النقيصة-المغالطة, إلا مأسسة التوجه شرقا.‏

Siwan.ali@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية