|
ملحق ثقافي تشير إلى أنّ تأويل الصياغة اللغوية كثيراً ما جنى على بعض منتجي الأدب أو رفعهم إلى ذرى مزعومة وصلوا إليها، بتقرير من أشخاص جرى الاصطلاح على تسميتهم «النقّاد» في تلك المجالات، والذين لم يمرّ يوم واحد في أي مكان على اتفاقهم حول «زمرة واحدة» من معايير النقد. وقد لاحظ غير باحث مختصّ أنّ «تحريك الساكن» من الأفكار السائدة في البيئات الأدبية المتنوّعة قد أفضى غالباً إلى توجيه الاهتمام إلى «الجديد» الذي يتمّ تقليب ما فيه من مقوّمات أو أسس، يتجّه الأديب إلى الاتكاء عليها في رفع بُنيان عمله الإبداعي، ولو كانت لا تتجاوز فكرة صغيرة يمكن أن يستوفى الكلام فيها عن طريق وصف مختصر، قد لا يحتاج إلى أكثر من مقابلة مباشرة مع أثر أدبي سابق زمنياً تمّ إصدار «حكم نقدي» عليه من قبل. فالصياغة اللغوية التي تُعنى بالهالة «الفنّية» للتعبيرات التي يستخدمها شخص في نصّه تغدو أكثر قبولاً للتأويل، كلما ابتعدت عن المعنى «المعجمي» المباشر. وهذا يعني ابتعادها التدرّجي من مجال الاستخدام المشترك للألفاظ إلى استخدام يتصف بالفرادة، أي يضفي عليها نوعاً من «الخصوصية» التي قد لا تُرى في نصوص أخرى تجعلها في عِداد ما هو مكرّر، أي يرادف في حالات كثيرة ما يعدّ في نطاق «العادي» أو «المألوف» الذي لا يتمتع بخاصة الجذب أو لفت الانتباه. ولذا يمكن أن نعدّ غير قليل من تفصيلات المدارس النقدية في الأدب بمثابة إعادة صياغة لعمليتي «فهم» النص و»تأويل» محتواه بما يساعد في فتح أفق ابتكاري لرؤية «مقترحة» قد تكون أحياناً غير ذات صلة بما يتضمّنه من وجهات نظر أشخاص آخرين، حتى من الذين يعملون في مجال اللغة الأدبية أو من المختصّين في تقنين القواعد اللغوية الضابطة. وهنا يبدو أن «المصطلح» الذي يتمّ توليده ـ ضمن فاعلية اللغة ذاتها ـ دليل لمحرّكات التفكير في محتويات النصّ الأدبي، وهي مسألة طالما حظيت باهتمام أهل الفكر والمناطقة والمشتغلين بالشؤون اللغوية على حدّ سواء، ولاسيما بالنسبة للجانب المتصل بما تقدّمه تربية الذائقة الأدبية في برامج المدارس والجامعات المقرّرة، والتي يُمنَح الطالبُ علامته فيها على درجة «إتقان الحفظ» أي استعادة المقرّر الدراسي وليس تبعاً لقدرته على مخالفة وجهات نظر المقرر الدراسي. وغدا تحريك الساكن من الأفكار النقدية وغيرها نوعاً من هزّ «الثوابت» غير المرغوب، فأوصل هذا إلى مخالفة نوعية لمنطلق الإبداع النقدي نفسه في الصميم، وبدل أن تكون العملية النقدية دخولاً في التفصيلات لاقتراح رؤية جديدة للنصّ الإبداعي المنتَج، غدت بحثاً عن نقاط تلفيق أحكام جاهزة لنص انتقائي جاهز، يُراد له أن يكون في رتبة تصنيفية أعلى أو على مستوى أثر محمود سالف. وصار التكرار ـ من جديد ـ طريقة في التربية التي تأخذ على عاتقها ضمناً أو علناً أن تتخلّص من «التقليد» الذي يحول دون حدوث «التجديد» الذي غالباً ما يكون المؤشر الحقيقي لوجود الاكتشاف أو حدوث التقدّم وتجاوز الراهن. وهذا أحد الأسباب المباشرة والأساسية التي تجعلنا نتمنى أن يتجه بعض زملائنا الأكاديميين وأساتذة الأدب المختصين إلى البحث عن القوى الكامنة في توليد المعنى اللغوي واستحداث ألفاظ مخترعة ذات دلالات جديدة، وعدم الجمود على تقليبات المعاني المجازية وتركيب العبارات والاستعانة بالتضمين والتراسل وأضراب ذلك. |
|