|
ثقافة حُضنُ أمِّي يَلُفُّ حَنِينِي، وأسمَعُ وقْعَ الحَديدِ، الجُنُودْ.. اَلسَّماءُ رماديَّةٌ.. ها هُمُ يَعْبُرُونْ.. كانَ يبدُو لنا وطناً يُشبِهُ الذَّاهبينَ إلى غَدهِ، وطناً مثلَ دهشَتِنا، كالحَنينْ.. أيَا وطَني، وطنَ الطَّيِّبين، وطن َالصَّاعدين إلى موتهم باسِمِينْ، ها أنتَ ذا بعدَ كُلِّ البطولاتِ كلِّ الهزائِمِ واليَاسَمينْ.. تعودُ إلينا حزيناً فقيراً.. ولكنْ جميلا.. حاء الحرب المدينةُ تَسْتَصْرِخُ القبَّراتْ، هنا بائعُ القهوةِ المُتَجَوِّل.. فتاةٌ تَعُدُّ الزَّنابقَ، تُحصي الدُّموعَ غلالاً غلالاً، وتُسرجُ في الليل مشكاةَ وجهٍ فقير، الوجوهُ الغريبةُ منْ كلِّ صوبٍ.. وأشباحُ سوداءُ حولَ المآذنِ.. حُرَّاسُ وقتِ اللصوصِ، وقنَّاصُ حُلْمِ العصافير.. أمٌّ بلونِ الحِدَادْ.. بائعُ الخوفِ في كل زاويةٍ للحَيَاة.. والمدينةُ صامتةٌ كالطُّغَاة.. بعد أن ماتَتِ «القُبَّرَات».. راء الغربة وأمضي على طُرُقاتِ المدينة، أفتِّشُ عن وجهِكَ الحُلوِ بينَ الزَّحامْ، مقلتيكَ تَلُوحَانِ لي من كوىً في المآذنِ قبلَ إيابِ اليَمامِ إليها، أرى طيفكَ العذبَ في الشُّرُفات، أتحسَّسُ وجهَكَ في كلِّ وجهٍ أصافحُهُ.. وأمرُّ بكلِّ المقاهي التي وهبتنا جمالَ الحياة.. بكلِّ الزَّوايا الخبيئة نسرقُ فرحتَنا المشتهاة، وأرى وطني غربةً غربةً، فألوذُ بصَدرِكَ بيتِ أناشيدِ روحي.. لعلِّيَ ألقى السَّلامْ.. ألا أيُّها الألمُ المتساقطُ من ذكرياتِ الكلامْ.. سأغادرُ مثلكَ روحي، وليسَ بها غيرُ وشمٍ قديمٍ جوازَ مرورٍ بأرضِ الشَّآمْ.. شين الشهيد ميم الشآم صادرَتْنيَ عيناهُ، لُؤلؤتانِ منَ اليَاسَمين، صادَرَتْنِي رُؤَاهْ.. حاملاً وطناً فوقَ كاهِلِهِ الغضِّ، يمضي بإشراقةٍ من يقينْ وهوَ منهمِكٌ في تفاصيلِ رحلتِهِ القادمَه.. «زمنُ الموتِ لا ينتهي ياأبي.. ونحنُ الذينَ نُذِرْنا لهذي البلادْ.. وهيَ الآنَ خائفة تحضُنُ القنبُلَهْ.. سأمضي إليها، إلى قدري، فوق خيطِ الحنينِ أفكِّكُ شِرعَتَها القاتِلَهْ..» يقولُ.. وفي صوتِهِ أودعَ اللهُ كلَّ يمامِ دمشق.. احضنينيَ أمِّي.. سأنقُلُ شوقَ الشَّهيدِ إليكِ, وأفضي بسرِّي الدَّفينْ.. قبِّليني ولا تدمَعي.. ففي خافقي كلُّ أفئدة العاشقينْ.. غمامٌ من الدَّمعِ يحجُبُني عن يمامِكِ يا شامُ، أشعرُ أنِّيَ لستُ وحيداً.. وأنَّ دمشقَ تعانقُني مِئْذَنَهْ.. مِئْذَنَهْ.. وليس هنالكَ مايخفقُ الآنَ فوقَ القِمَمْ: غيرُ هذا العلمْ.. غيرُ هذا العلمْ.. واو الوصية.. فاء الوفاء يا رفاقي.. أزِفَ الموتُ فَحُلُّوا لِي وِثَاقي.. والثُمُوا رُوحِي وقمصَانَ جُرُوحي.. وخُذُونِي بيتَ أمِّي، حضنَ أمِّي، وادفنُوا في وجهِهَا الطَّاهِرِ رُوحِي.. ادفنُونِي.. فيءَ ليمُونةِ أرضِ الدَّارِ.. عطرَ الياسَمين.. واكتُبُوا: هذَا شهِيدُ اللهِ والرُّوحِ، توَارَى.. والدَّمُ المهرُوقُ ملءَ الأرضِ يبكِي وَيُنادي: تابعُوا بعدِيَ دربي يا رفَاقي.. تابعُوا بعدِيَ دربي يا رفَاقي.. نون النَّصر النَّياشينُ.. أوسمةُ الفاتحينَ.. وتاريخُهُمْ في دُرُوسِ القِرَاءَة عنْ أُمَّهاتِ المَعَارِكِ، فتحِ الفُتُوحاتِ، ذاكرَةِ القَادَةِ الغَابِرين، الذين عَنَتْ لَهُمُ أُمَمُ الأرضِ، ثمَّ تداعَتْ مَمَالِكُهُمْ.. كيفَ ضَجَّتْ بهِمْ سِيَرُ الأوَّلينْ.. كُلُّ هذا ذَرَتْهُ الرِّيَاحْ.. وغَدَوا أثراً بعدَ عَيْنْ.. وحدَهُ الياسَمينْ، شاهدٌ أبديُّ الحَنينْ، على من قَضَوا شُهَداءْ.. وبأرواحنا خَالِدِينْ.. جيم الفجر للَّهِ صُبْحُكَ يا وطَنْ.. للَّهِ جُرْحُكَ يا وطَنْ.. هَبْنَا جمالَ الرَّاحلينَ إليكَ عنكَ، مُزَمَّلينَ تُرابَكَ المقهُورَ في زمنِ المِحَنْ، سأميطُ هذا الحزنَ عن عينيكَ، ثمَّ أهيمُ في طُولِ الجِراحِ وعَرضِهَا، وأبيتُ أصرخُ مِلءَ روحيَ والكفنْ: هذا صباحُكَ يا بلادَ الشَّمسِ.. هيَّا.. فانتفضْ من قبركَ العاري.. وهيِّئنا لفجرٍ طالعٍ من قلبِ حزنكَ، يااااااوطنْ. |
|