تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لغة التفاهم..!

آراء
الخميس 27-12-2012
حنان درويش

منذ سنوات عقد في دمشق مؤتمر تحت عنوان «كيف نواصل مشروع حوار الحضارات» وفد إليه كبار رجالات الفكر والمعرفة من مختلف أنحاء العالم ليشاركوا فيه ويدلوا بآرائهم ويقدموا أبحاثهم ويغنوا الاجتماعات واللقاءات اليومية بما يخدم الهدف المومى إليه،

والذي علقت عليه سورية -يومها- أهمية داعمة لمبدأ الحوار على اعتبار أنه علم ذو خصوصية أساسه فن الكلام وفن الإقناع.. هذه المعجزة التي نستطيع من خلالها أن نكون بعيدين عن التطرف، والتحيز، والتقوقع ضمن قالب جامد مجدد الأبعاد، أرجاؤه ضيقة وأفقه عقيم.‏

لقد كانت رسالة المؤتمر واضحة المرامي حيث نقف على مشارف القرن الواحد والعشرين، يناشد فحواها الآخر أن يكون معتدلاً وموضوعياً من أجل بناء هيكل حضاري يصنع ويرقي ويؤثر ويفتح الأجواء على تبادل ثقافي معرفي يغني الإنسانية بما يخدم الجوهر والمصلحة العامة سلاماً وأمناً ونهوضاً شاملاً يتناول مختلف مناحي الحياة بعيداً عن الضغائن والحروب، وصولاً إلى حال معافاة يتمتع بها الأطراف كافة وليس واحداً على حساب الآخر حيث التبادل المؤثر والمتأثر حيث احترام الأفكار وحيث الأخذ والرد بمنطق التعقل الملازم لمنطق التسامح النائي عن التبعية.. وقد جاء على لسان المشاركين طروحات حبت مجملها في مصب يفضي بأهمية سورية من الناحية الجغرافية والتاريخية عبر قرون بعيدة، لتغدو بفضل هذا ملتقى طرق أمم وشعوب تعايشت وتبادلت الرؤى والمعارف التي ساهمت في إعطاء هذا البلد طابعها الفريد كذاكرة تاريخية غنية بالآثار والكنوز الحضارية المختلفة، لقد تفاوتت الآراء في جلسات المؤتمر وتباينت أفكار الباحثين، فمنهم من اعتبر أن لا صراع ولا حوار بين الحضارات ومنهم من اشترط مبدأ التكافؤ ومنهم من قال إن حوار المثقفين لا جدوى منه ومنهم من تساءل عن كيفية تعايش البشر ذوي المعتقدات والديانات المختلفة ومنهم من طالب بدراسة وتقويم وتطوير الحركات الدينية بوصفها حركات اجتماعية وثقافية لا مجرد خلاف سياسي قيل الكثير، وطرح الكثير، واحتدمت النقاشات وظهرت المقولات ونقائضها، وارتفع صوت الجدل حتى بلغ ذراه.. لكن كل ما حدث وما بحث، وما أدلي به كان في النهاية لصالح الهدف المهم الذي ابتغاه المؤتمر وسعى إليه من علمانية وموضوعية وتميز.‏

وقد تتالت الرسائل من كل حدث وصوب مصحوبة بآراء أصحابها ممهورة بطابعها الإنساني الواعي المؤمن بمشروعية الفكرة القائمة المؤيدة لمواصلة الخطوات لتحقيق الوضع القوي الذي نستطيع به الوقوف نداً لند مع الآخرين بعيدين عن التفرق والتشتت متزودين بمعطيات المحبة بأصح صوره.‏

إن العرب لم يكونوا في يوم من الأيام بخلاء في تقديم ما لديهم من علوم واختراعات إلى الأمم الأخرى.. وما آثار الأندلس - أسبانيا اليوم- إلا خير دليل على أن الثقافة العربية لم تكن متقوقعة ومحصورة في منطقة معينة، بل كانت تعتبر أن ما لديها من مخزون حضاري هو ملك الإنسانية جمعاء وما الأبجدية في أوغاريت وآثار بابل في العراق، والأهرامات في مصر إلا أفضل برهان على عظمة حضارتنا العربية التي غدت معيناً لا ينضب للدارسين من مختلف أنحاء العالم وقد درست جامعات الغرب كتب الطب والفلسفة والفيزياء والكيمياء لابن سينا وابن رشد وابن الهيثم وغيرهم من العلماء العرب الذي جاوزت عبقريتهم الآفاق فغدوا أعلاماً مؤثرين، وقديماً كان طلاب العلم في الغرب يأتون إلى الشرق ليتلقوا العلوم بأنواعها والآن يذهب الكثير من أبناء وطننا العربي إلى الغرب ليتزودوا بمختلف أنواع المعارف التي تخدم رسالتهم الإنسانية في التواصل الفكري خلال وقتنا الراهن.‏

وهذا السلوك إن دل على شيء فإنما يدل على تمازج الحضارات أمماً وشعوباً حية تأخذ وتعطي ليصبح الأخذ والعطاء منهجاً حياً، قوامه الإيمان بلحمة علمية واسعة نستطيع بها أن نكون والآخر صنوين حقيقيين نروم الانتشار ونقنع البعيد بأهميتنا ورسالتنا وقضيتنا محاولين شده إلينا والاعتراف بمبادئنا القائمة على إحقاق الحق ونصرة المظلوم... عسانا بعد حوار جاء منطقياً نتوصل إلى إنصاف يضع الأمور ضمن سياقها البدهي المخصص لها دون أدنى مهادنة مع مستلبي الإنسانية.‏

«كيف نواصل مشروع حوار الحضارات» كان عنواناً نستطيع من خلاله إفهام العالم في كل حين أننا بعيدون كل البعد عن الارهاب الذي يحاول بعضهم إلصاقه بنا وأننا كنا وما زلنا أرض المحبة والوئام هذا العنوان يجب أن يتعمق ويتجذر ويستمر ليتكون لدى الأمم قاطبة القناعة بأفكارنا فبقدر ما نكثر من هذه اللقاءات فإننا نحصد النتائج الأفضل لأن لغة التفاهم أفضل بكثير من لغة التصادم مع الآخر.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية