|
متابعات سياسية وفقدان العدل وبروز الممالك التي تستطيع تعطيل آليات التفكير الدولي، وقتل الضمير المشترك لقادة العالم عبر المال السياسي حيناً، أو عبر الأوامرية والإدارة عن بعد أحياناً أخرى. وبناء عليه فقد صارت السياسة مرتهنة لموازين البترودولار أكثر مما تكون في المنظومة القانونية للعدل الدولي. وصار الصغار من كبار الحكام يمطّون رقابهم في الحلبة العالمية لكونهم الممولين لهؤلاء القادة الذين سيحاسبهم التاريخ على كسرهم لإرادة التقدم، ولأخلاقية السياسة، ولحرية الأمم عبر التدخل في شؤونها الداخلية، وانتزاع حق تقرير المصير منها، وجعلها راضخة لمناهج من دبلوماسية الإرهاب، ومنظومة مفضوحة من المكر السياسي. والعالم المعاصر لم يعد –ولا سيما في الغرب المتصهين- يرى إلى حيثيات القرار الدولي إلا من زاوية المصالح البراغماتية الجشعة فيعطي السعودية صفة الديمقراطية، ويحرم روسيا منها. ثم يعطي قَطَر شهادة الحرص على حقوق الإنسان ويحرم الصين منها. ويعطي إسرائيل رئاسة اللجنة الحقوقية في الأمم المتحدة وهي كيان محتل ويحرم فلسطين وشعبها من الكفاح ضد المحتل. إن قاعدة السياسة العالمية حين تصغي إلى صغار العالم وأدواته الضحلة الفقيرة في العقل، والتجربة، والحكمة، وتلغي نظريات التحرر الوطني، بل تزور في مفاهيم الكفاح الوطني التحرري، لتعوّم منظومة الاحتلال الصهيونية، ومنظومة الأخوان، والوهابية التكفيرية فماذا عساها فاعلة في ملامح عصر من التاريخ لم يبقَ يه ملمح لخير، أو حق، أو جمال؟! إن الذين يزوِّرون القيم العليا للإنسانية الحاضرة حتى يكونوا في خدمة الصهيونية التي تعهدت منذ قيام كيانها العنصر، والاستيطاني الإحلالي بحماية العروش وممالك الأعراب ومشيخاتهم؛ مقابل أن يعمل هؤلاء دوماً على هدم الصرح العربي المقاوم، من أي جهة صار البناء فيه يضرُّ بالمجال الاستراتيجي لكيان الاحتلال. وعليه فقد قررت هيلاري كلينتون تدمير سورية، لا إصلاح الدولة، وتفعيل الدور المجتمعي بل التدمير وليس دون التدمير شيء. ولو جاء السؤال: لماذا التدمير؟ ستكون الإجابة لأنها دولة مستقلة، سيادية، لا تخضع بقرارها لأحد وستبقى خارج منظومة السيطرة، والقيادة بالكونترول فضلاً عن أنها ستوجّه مؤسسات العمل العربي المشترك نحو المزيد من التحرر، وتحضير القوة اللازمة لتأمين الأمن القومي العربي على أسس معرفة العدو الحقيقي، وضمان حقوق العرب التاريخية في فلسطين، وتحشيد الطاقات العربية لتكون الجامعة المسماة عربية، عربيةً فعلاً، ومؤسسة القمة، مؤسسة عربيةً حقاً، والقرار العربي عربياً في المصالح والرؤى، والتطلّع نحو المستقبل الواحد للأمة الواحدة على الأرض التاريخية الواحدة. ومما يدعو المواطن العربي العاقل مثلما يدعو المثقف، والمختص، والقارئ النبيه هو أن يستعيد الجميع التفكير بآلية الشعور بالوجود الواحد للعرب في الجيوتاريخية التي حدّدتهم، وما زالت تحدّدُهم، وأن يتذكر الجميع أن مشاريع الحرية، والخلاص للإنسان العربي لا يمكن أن تأتي من عند عبيد الصهيونية من الأعراب، ولا من عند قوى الاستعمار العالمي من المتصهينين. ولنلاحظ كيف يتعاملون مع حق السوريين في الخلاص من الحرب الإرهابية عليهم حيث يواصلون دعم الإرهاب، ومساندة سيطرته على كل بقعة أصبحت له سيطرة فيها، وكيف يسمحون له بحرب الإبادة، وتجريف الثروة، وشراء الضمائر، والرهائن البشرية. ولا يخطر لهم خاطر بأن المواطن الكائن تحت السيطرة مغتصب في إرادته الذاتية، والوطنية، ولا يوجد من يسألهم عم يفعلون. ولنا في الأمر أكثر من مثال حين يمنعون المواطنين من الخروج إلى المناطق الآمنة التي تفتحها الدولة، كما يقصفون تجمعات المصالحة الوطنية، ثم يُعرِّضون الأطفال للموت حين لا يقبلون بالاغتصاب، وبحمل السلاح مع المسلحين. والمثال الآخر: كلما تقدم الجيش إلى منطقة كي يحررها من ظلم التكفيريين الوهابيين نرى ماكينة الإعلام الدولي المعادية يجنُّ جنونها وهي تتحدّث عن قصف المدنيين، وعن وقف المساعدات الإنسانية، وعن اعتقال الناس، والتعدّي على صور حياتهم الإنسانية، لكن إذا كانوا تحت سيطرة الإرهابيين فلا حديث عنهم مهما بلغت نسب الظلم الذي قد وقعوا فيه. وحالما اعتقدت أميركا بأنها ما زالت مقبولة لدى المجتمع الدولي من خلال دبلوماسية الإرهاب التي فضحها غير مرة ويكلكس، كما فضحها قادة الرأي الأميركي، والمواقع الإلكترونية العالمية ستجد أنها لم تعد مقبولة, ولا موثوقة مع أقرب حلفائها حين حوّلت حياة الأوروبيين إلى جحيم، وكذلك مَنْ في كندا، وأستراليا، وباعت حليفها أردوغان بأرخص الأثمان. وداورت وما زالت مع الطرف الكردي المتطلّع إلى الانفصال الإنعزالي حيث لم تمكنه من احتلال منبج، ولم تتفق معه بعد على مَنْ هم الإرهابيون. وكذلك كلما أحسّت أميركا بتقدم جبهة المقاومة في سورية وخافت أن تخرج من المولد بدون حمص ذهب كيري إلى موسكو ليعلن من هناك عن إمكانات جديدة للتوافق الثنائي. وحتى تنطلي القصة على العالم يجتمع الثلاثي (كيري، لافروف، ديمستورا) في جنيف ويُترك الصبي الجُبير على الأرصفة ولا يشاركونه. إذا كانت سنن التاريخ تعطي أن لكل أمر ذروةً فإن ذروة المؤامرة على سورية قد حصلت في حلب، وانكسرت في حلب. وهذا هو جيشنا الباسل يغيّر قواعد الاشتباك على الميدان بنصرٍ مؤزّر في تطويق حلب ودخول حي بني زيد، والشروع بإخراج المدنيين الذين يودون الخروج، وتسوية وضع مَنْ يرمي السلاح، ويعود إلى حضن الدولة والوطن. وها هي حلب التي بقيت فيها إمارة سيف الدولة تمثُّل آخر حصون الدولة القومية للعرب قبل انهيارها على يدي هولاكو تكشف عن فجرها الجديد بطرد الإرهاب من أرضها الطيبة، وكسر ذروة المؤامرة بالحرب الإرهابية علينا. وفي عيد الجيش يجدد الأبطال عهدهم لوطنية جيشهم فهو دوماً دعامة الأمن والاستقرار في سورية كما خاطبه السيد الرئيس ليلة عيده. وبعد الذي حصل في حلب قال الرئيس بشار الأسد:» ونحن اليوم على أبواب مرحلة مفصلية من تاريخ الوطن تتطلّب منّا جميعاً مزيداً من اليقظة، والاستعداد والعمل بكل تصميم، حتى تحقيق النصر». |
|