تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بريطانيا .. دروس وعبر في الحرب على العراق

عن مجلة لوبوان الفرنسية
متابعات سياسية
الأربعاء 3-8-2016
ترجمة: دلال ابراهيم

أجج تقرير تشيلكوت , ثمرة عمل سبع سنوات من التحقيقات حول اشتراك بريطانيا في الحرب على العراق الجدل المحتدم أصلاً منذ عشرات الأعوام حول ذات الموضوع والذي ألقى بتأثيره العميق على السياسة البريطانية .

وقد بلغ هدد الجمود البريطانيين المنتشرين في العراق خلال الأعوام الممتدة من عام 2003 إلى عام 2009 أكثر من 120,000 جندي . قتل منهم هناك 179 جندي . وطبعاً لا يقارن هذا الرقم مع 4,489 قتيل أميركي وآلاف الضحايا من المدنيين العراقيين . لقد كلفت الحرب على العراق الحكومة البريطانية تسعة مليار جنيه . وزادت هذه الحصيلة البشرية والمالية الثقيلة جداً من مشاعر الخداع لدى الشعب البريطاني , وهو ما أكد عليه تقرير تشيلكوت , الذي سلط الضوء على عدم جاهزية رئيس الوزراء حينها طوني بلير . حيث تم اتهام رئيس الوزراء العمالي , الذي كان يعتبر العنصر الرئيسي في الحرب على العراق باستخدام حجج كاذبة من أجل اقناع البرلمان البريطاني بالتصويت على الحرب  , وهي كذبة سلاح التدمير الشامل . ففي شهر شباط من عام 2003 , وبعد مرور شهر فقط على موافقة 412 صوتاً بشن الحرب على العراق  مقابل 129 صوتاً رافضاً لها , عبر 29% من البريطانيين عن تأييدهم لتلك الحرب مقابل 52% عارضوها . وتميزت المعارضة للحرب بشدتها وكانت منظمة منذ بداية الحرب . وفي أعقاب مرور 13 عاماً تطالب جمعيات الضحايا ونشطاء السلام بمحاسبة طوني بلير الذي لقبوه بالكاذب .‏

ووفق استطلاع جرى في عام 2013 بمناسبة مرور عشر سنوات على تلك الحرب , فإن الغالبية العظمى من البريطانيين يعتقدون أن « هذه التدخلات العسكرية لا تحل أي قضية , وتخلق الأعداء وتضر أكثر مما تنفع « . وقد أثرت صدمة الحرب على العراق في الولايات المتحدة كما في بريطانيا بشدة على قرار عدم التدخل في سورية وشن الحرب ضدها منذ بداية الأحداث فيها قبل خمش سنوات . وفي هذا الصدد رفض البرلمان البريطاني في عام 2013 اقتراحاً من ديفيد كاميرون بالتدخل العسكري في سورية ,وقد صوت 285 ضد الحرب مقابل 272 صوت أيدها . وكان رئيس الوزراء المحافظ قد التقى حينها بإد ميليباند زعيم حزب العمال المعارض بشدة والشديد الانتقاد للحرب على العراق , وتبعه الالتقاء بالعديد من النواب العمال المكتوين بنار تلك الحرب . وقد صوت 66 نائباً عمالياً في عام 2015 على ضرب الطيران البريطاني لسورية . وتم تهديدهم بالقتل . تميز الحراك السلمي في بريطانيا بنشاطه القوي وتم تنظيم مظاهرات بانتظام للتنديد بالضربات ضد سورية .‏

ويمكن قراءة فوز جيرمي كوربين , ممثل اليسار الراديكالي في زعامة حزب العمال كنتيجة للفشل في العراق . ومع اندلاع أزمة عام 2008 كان فشل الحرب على العراق أحد الظلال التي أفسدت إلى الأبد « البليرية « . وقد جعل كوربين , رجل السلام والمقرب من حركة « أوقفوا الحرب « عام 2015 من الأسف عن الحرب على العراق وعد حملته « لقد حان الوقت للاعتذار من الشعب البريطاني عن الحرب التي انجر إليها ضد العراق على أساس كذبة وخديعة والاعتذار من الشعب العراقي للآلام التي سببناها له .» . وعلى عكس كوربين , لم ينكر خليفة بلير في داوونغ ستريت ديفيد كاميرون تأييده شن الحرب على العراق . ولدى سؤاله من قبل لجنة تشيلكوت , أكد أن الحرب كانت تعتبر « القرار الصحيح لأسباب صحيحة « وأن « كل ما قام به بلير خلال تلك الفترة قام به كما ينبغي « هذا وكان كاميرون قد صوت لصالح الحرب على العراق . وسواء أكان زعيم حزب العمال كوربين أو الزعيم السابق لحزب الاستقلال نيغل فاراج أو زعيم حزب الاستقلال الاسكتلندي اليكس سالموند والمرشحين المعارضين لنظام يدعى « الشعبوي « جميعهم عارضوا التدخل البريطاني في العراق , وهو ما يفسر سر نجاحهم في صناديق الاقتراع .‏

هذا وقد أجرى العديد من المراقبين مقارنة بين الحرب ضد العراق واستفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي . وتقول صحيفة الاندبندت « ثمة نقاط مشتركة بين الفشل البريطاني في العراق والأزمة حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي « ومن جهتها شبهت الفايننشال تايمز , التي رأت في موقف بلير ذاك الحين « مزيج سمي بين السذاجة والغرور والعناد « قصر نظر بلير بمؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد . وقد اعتبروا أن الإفلاس الأخلاقي للمؤسسة البريطانية , وعدم الثقة بوسائل الإعلام التي أجمعت جميعها على تأييد الحرب ( مثلما عارضوا جميعهم خروج بريطانيا من الاتحاد ) وضعف اليسار الليبرالي عناصر لعبت دوراً كبيراً في انتصار خروجها .‏

ويرى مايكل مانسفيلد , المحامي الذي حاول إقناع محكمة الجزاء الدولية باتخاذ إجراءات تهم جرائم حرب في العراق , فإن ارتدادات تلك الحرب متجذرة في عدم ثقة الرأي العام تجاه رجال السياسة . « الناس لم تعد تحتمل , حتى إنها لا تستمع إلى ما يقوله هؤلاء . واعتقد أن بلير يتحمل جزءاً من ذلك .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية