|
دراسات وتأتي مواقف الرئيس الخالد من الثورةالإيرانية وقيادتها الحكيمة لاسيما الإمام الخميني ضمن هذا السياق والتوجه المبدئي لسيادته، حيث وقف موقفاً حكيماً حيال الثورة الإسلامية منذ بداية انطلاقها، وبعد انتصارها، من خلال تصريحاته وخطواته العملية. ولم تمض سنوات قليلة حتى أثبتت الأحداث صواب وحكمة مواقف الرئيس حافظ الأسد، حيث ظهرت النتائج السلبية لتلك المغامرات الفاشلة والمشبوهة التي قادها المتهورون. إن من أهم أسباب الانقطاع المبكر لجسور التواصل بين الإيرانيين والعرب، بعد انتصارالثورة هي الحرب التي شنها العراق على إيران، وما رافقها من مناخ من التحريض القومي والمذهبي. وقد احتاج الأمر إلى سنوات طويلة لترميم تلك الجسور على قاعدة خطاب أكثر اعتدالاً وواقعية من الطرفين يتجنب الايديولوجية ويبحث عن المصالح المشتركة في مواجهة التهديدات المشتركة. لقد فتحت تلك الحرب التي دفع ثمنها العراقيون والإيرانيون والعرب جميعاً ،سياسياً واقتصادياً ونفسياً، الباب على مصراعيه أمام تدخل الدول الكبرى. وأضاعت على العرب فرصة الاستفادة من الرصيد الاستراتيجي الذي أضافته الثورة إلى رصيدهم في المواجهة مع»إسرائيل« بعد اسقاط الشاه. لم تهتم ،وللأسف الشديد، معظم الحكومات العربية بما جرى في إيران من تغيير في موقعها الاقليمي والدولي. فإيران التي كانت ركناً أساسياً في أركان المثلث الاطلسي إلى جانب تركيا و«إسرائيل» لمواجهة الاتحاد السوفييتي في الشرق الأوسط، وقاعدة مركزية لنشاط الموساد ضد المقاومة الفلسطينية وضد حركات التحرر العربية، إيران هذه انتقلت إلى موقع الآخر ووقفت إلى جانب فلسطين. وستدفع إيران غالياً طيلة السنوات اللاحقة وإلى اليوم ثمن هذا الانحياز إلى معسكر العداء لإسرائيل ولأميركا. من الاتهام بدعم الإرهاب، إلى الحصارالاقتصادي إلى المحاولات المستمرة لتهميش دورها، إلى الضغوط المتواصلة الأمنية والسياسية والدبلوماسية. لقد غطى دخان الحرب على هذا الانقلاب الاستراتيجي الذي حصل في إيران بإسقاط الشاه حليف الولايات المتحدة و«إسرائيل» وخادمهما الأمين . وحدها سورية التقطت ذلك وتجاوزت الحذر العربي من «الثورة الاسلامية» فقد كان الموقف السوري (ضدالحرب)و علاقات جيدة مع إيران استثناءً عربياً، وكان رهاناً استراتيجياً خطيراً ثبت صحته لاحقاً. شكل الموقف السوري في ذروة القطيعة العربية -الإيرانية عمقاً عربياً لإيران كانت تحتاج إليه في مواجهة محاولات عزلها ومحاصرتها. كانت الحرب وسنواتها العجاف اختباراً صعباً وحقيقياً لمتانة العلاقات الاستراتيجية بين سورية وإيران. التي ستبقى على ثباتها رغم ما تعرض له الطرفان من ضغوط، وما تعرضت له المنطقة من تقلبات نموذجاً لما يمكن أن تحققه تلك العلاقات في مواجهة المخاطر المشتركة. النموذج الاخر الذي يمكن الرجوع إليه للحديث عن العلاقة السورية - الإيرانية وعن العمق الاستراتيجي المتبادل في مواجهة التهديدات المشتركة. هو نموذج المقاومة في لبنان ضد الاحتلال الاسرائيلي الذي أدى بعد عشرين عاماً من تضحيات المقاومة وجهادها إلى تحقيق نصر غير مسبوق في تاريخ الصراع من العدو الاسرائيلي بإرغامه على الانسحاب من لبنان دون قيد أو شرط أو حتى مفاوضات. لقد شكل التحالف السوري- الإيراني عملياً استراتيجية بديلة في المنطقة، لاستراتيجية التطبيع السياسي والاقتصادي والأمني مع « إسرائيل» ولو عدنا إلى مرحلة التسعينات بعد حرب الخليج الثانية، وبعد مؤتمر مدريد، لاحظنا أن هذه المرحلة اتسمت باتجاه قومي إقليمي ودولي لدمج«إسرائيل» في المنطقة ( مشرق الشرق أوسطية) ولرفع المقاطعة العربية عنها، ولعلاقات اقتصادية مباشرة معها. وقد تقدمت بعض الدول العربية خطوات في هذا المجال ،ففتحت سفارات وقنصليات اسرائيلية في بعض العواصم العربية، واستقبلت الوفود المشاركة في الندوات والمؤتمرات... لقد وقفت الولايات المتحدة وأوروبا و « إسرائيل» والعالم كله خلف هذا الاتجاه ، وكان من المفترض بمثل هذا الدعم أن يحقق مبتغاه... ولكن استراتيجية مقاومة الدمج والتطبيع مع «إسرائيل» التي قادتها سورية وإيران من دعم القتال ضد« إسرائيل» قد أفشل استراتيجية التطبيع وقطع الطريق عليها. وفي هذا الصدد، لا نريد أن نعود إلى دائرة« الحضارة الاسلامية الواحدة» التي تنتمي إليها إيران والعرب في وقت واحد لتبرير أهمية العلاقات العربية- الإيرانية وتطويرها ودفعها ولا الاكتفاء بالحديث عن الروابط التاريخية التي تدفع بشعوب المنطقة إلى التلاقي والتعاون. بل نريد أن نزيد إلى ذلك«المصالح المشتركة» و«التحديات المشتركة» المفروضة على الإيرانيين والعرب في وقت واحد، ومن المشروع الاسرائيلي ، إلى المشروع الاميركي بعد الحادي عشر من أيلول الذي يريد إخضاع المنطقة وتغيير أنظمتها، والهيمنة المباشرة على مقدراتها ،و التدخل في سياستها الداخلية والخارجية وفي برامجها التعليمية... إن مثل هذا المشروع الذي يزيد المنطقة توتراً وانكشافاً أمام التدخل الخارجي، يجب أن يدفعنا نحو المزيد من التقارب العربي- الإيراني. ونحو المزيد من الاستقرار في هذه العلاقات. |
|