تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في ذكرى رحيله ..محمد محسن غنّـى فــأطـرب... لـحَّـن فأبـدع

ثقافة
الخميس 5-2-2009م
غفران الناشف

يصادف يوم الجمعة 13 شباط الذكرى الثانية لرحيل الملحن الكبير (محمد محسن)، وقد سبق للأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية أن أحيت مشكورة الذكرى الأولى من خلال تسليطها الضوء على رواد الموسيقا السورية بحفل تكريمي

أحيته فرقة (طرب) بقيادة المايسترو (ماجد سراي الدين) على خشبة مسرح الحمراء في 17 شباط 2008، قدمت في هذا الحفل مجموعة أغان من ألحان المرحوم محمد محسن وبعض من أغانيه التي غناها بصوته أيام شبابه، ويومها أتحفتنا المطربة الواعدة (وعد بوحسون) بصوتها الرخيم عندما أنشدت ابتهال (يا رب صل على النبي المجتبى).‏

وهذا الفنان المبدع -رحمه الله- من عائلة دمشقية (الناشف) توطنت في أحد أحياء دمشق القديمة باب الجابية وفي محلة (قصر الحجاج) وتحديداً زقاق الناشف بالقرب من مدفن أحد أجدادهم, ولد المرحوم عام 1922، وبدأ هاوياً للموسيقا وعشق العزف على العود وتعلمه على يد الاستاذ صبحي سعيد (رحمه الله) وكان له اسم مستعار (محمد رياض) ثم (محمد محسن) وبشكل جدي قرر الاحتراف في أواخر الثلاثينيات.‏

كانت بدايته بالغناء من خلال حفلات إذاعة دمشق وإذاعة الشرق الأدنى التي تعاقد معها عام 1951، حيث تنقل بين الغناء والتلحين لنفسه، فكان رصيده خمس عشرة أغنية منها (ريم العيون الكحيلة) وأغنية جميلة (الليلة.. الليلة.. الليلة.. سهرتنا حلوة الليلة) التي نالت شهرة واسعة وغنتها فيما بعد المطربة (نجاح سلام) وبعدها قرر اعتزال الغناء وتثقيف نفسه فنياً قبل احتراف التلحين وكانت البداية مع المطربة سعاد محمد من خلال أول لحن رائع لأغنية (دمع على خد الزمن) من كلمات الشاعر محمد فتوح الذي تزوجها فيما بعد، وكان أول الغيث قطرة بمونولوج (ليه يا زمن الوفاء) والأغنية الشهيرة (مظلومة يا ناس) وغيرها ما جعل سعاد محمد سلطانة المطربات في بلاد الشام، وتابع إبداعه الفني من خلال تلحينه قصيدة للشاعر الكبير (بدوي الجبل) جلونا الفاتحين والتي تعد بحق أقوى لحن وطني قومي غنته سعاد محمد في ذكرى الجلاء.‏

ورحل المرحوم إلى القاهرة في عام 1959 ليعمل مشرفاً على الدائرة الموسيقية في إذاعة القاهرة وملحناً رئيسياً للمطربين المعتمدين في الإذاعة المصرية، فقدم ألحاناً لكثير من المطربين فيها حتى عام 1963 حيث استقر في بيروت منهمكاً بألحان لمطربين لا تسع سطور هذه المقالة تعدادها، ثم عاد إلى أرض الوطن الحبيب بعد أحداث لبنان المؤسفة عام 1975 ليستكمل ألحانه الرائعة، كان- رحمه الله - غزيراً بالألحان الشجية، فقد لحن لمعظم المطربين والمطربات وأشهرهم دون ذكر الألقاب: (سعاد محمد - وردة - نجاة الصغيرة - فايزة أحمد - نازك - نور الهدى - صباح - وديع الصافي - نصري شمس الدين - عادل مأمون - محرم فؤاد - محمد قنديل - طلال مداح - صباح فخري) وغيرهم .‏

لقد غنت من ألحانه المطربة الكبيرة فيروز عام 1971 (سيد الهوى قمري) وتابعت الغناء من تلحينه ومن خارج سرب الرحابنة، حيث أتحف المكتبة الموسيقية العربية بأربع أغان كانت في غاية الإبداع الموسيقي والتلحين الخالد، وفي عام 1999 جاءت أغنية (جاءت معذبتي) وأغنية (لو تعلمين) اللتان ألقاهما شعراً الفنان الراحل عاصي الرحباني (رحمه الله) من خلال حفلات فيروز على مسرح معرض دمشق الدولي، واختارت مع الملحن قصيدة من الشعر القديم (ولي فؤادي) وأيضاً أبيات من قصيدة قيس بن الملوح (أحب من الأسماء).‏

كان -رحمه الله -يتعمد الابتعاد عن الأضواء، بل يخشى إطراء الناس له وثناءهم، فهو كان دائماً إما متغيباً وإما معتذراً عن حفلات التكريم التي تطالبه بالحضور إليها، ومنها تكريم مهرجان الأغنية السورية في عام 2004 بمنحه جائزة الأورنينا، لقد اعتاد (رحمه الله) التستر من بدايته الفنية وراء اسم فني، لكنه إنسان عظيم عظمة التلحين الذي أبدع فيه، ما جعلنا نحن أقرباؤه نتحدث عنه وعن شهرته التي بلغت قمة التلحين الرائع، فقليل من يعلم أن هذا الملحن سوري ودمشقي.‏

واليوم تقيم الهيئة العامة لدار الأسد للثقافة والفنون أمسية غنائية تقدم أعماله الفنية، بعد أن أصدرت له قرصاً ممغنطاً ضمن أعمال رواد الموسيقا السورية، وكنا نأمل من إدارة الهيئة إهداء أقربائه نسخاً من هذا القرص الممغنط، وتوجيه دعوة لحضور هذه الأمسية، كما فعلت سابقاً الأمانة العامة لاحتفالية دمشق مشكورة.‏

شكراً جزيلاً من القلب لجريدة الثورة والتي تغطي من خلال صفحاتها أسراراً وأخباراً فنية عن هذا الملحن المبدع، وشكراً للباحثة الأستاذة إلهام أبو السعود لمحاضرتها القيمة عن أعماله، وشكر خاص للأستاذ أحمد بوبس لما يقوم به من جهود للتعريف بهذا النابغة الموسيقي ومنذ سنوات، ومن خلال كتاب يصدر بعد أيام يغطي فيه مسيرة محمد محسن الفنية الحافلة بالإبداع والتميز الفني، وأخيراً كلمة صدق من الفنانين والملحنين تصف محمد محسن بأنه بحق خير من حلّق في سماء التلحين ورفع علم التدوين الموسيقي إلى القمة، وأغنى مكتبة الغناء العربي بألحانه الجميلة على مساحة الوطن العربي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية