|
قضايا الثورة والأكثر من ذلك التناقضات التي حفل بها التقرير والتي جعلته موضع انتقاد شديد, ولا سيما بعد تسريب أكثر من نسخة تتناقض فيما بينها, والتي جعلت من السرية والمهنية التي حاول الإيحاء بها في خبر كان. لكن اللافت هذا التهافت الإعلامي على تلقف نتف من التقرير لتبنى عليه استنتاجات, والأخذ بها على أنها أضحت مسلمات يجب التعاطي معها على أرض الواقع, وخصوصا في عملية الاستعراض للأجواء السياسية التي سبقت عملية الاغتيال, حين بدت تلك العملية انعكاسا حرفيا لمقولات فريق من اللبنانيين, دون غيره. وبغض النظر عن كل الانتقائية التي تعتمدها الوسائل الإعلامية بتعدد أنماطها وأشكالها, فإن الكثير منها لم يكن بمقدوره تجاهل كل الأسئلة التي يثيرها التقرير لجهة الضعف في القرائن التي يعتمدها, وإن كان بعضها قد اعتبرها الصيد الذي لا يمكن التفريط به إن ولم يكن يتوقعه بهذا الشكل المثير في تبنيه للطروحات التي كان يعمل على تسويقها. وإذا كانت المسألة تتعلق أولاً وآخراً بعملية استهداف أكبر من حدود لبنان وخارج إطار كل ما يشهده, بدليل عملية الزج السياسي لأطراف أخرى, بحيث كانت الحصيلة محاولة تطويق لكل القوى التي تتعارض مع الرؤية الأميركية, إذا كانت كذلك فلا بد لنا من الأخذ بالعناوين الكبرى, قبل الدخول في التفاصيل التي تتصدر الإعلام في الكثير من الأحيان. وتلك العناوين تقول ما عجزت عن قوله أو إدراكه التفاصيل, بدليل الكم الهائل من الإفادات التي أوردها التقرير دون أن يتوافر فيها الحد الأدنى من المنطقية أو المصداقية بحكم المناخ السياسي المعبأ الذي استعرضه السيد ميليس في بداية تقريره وتجاهله في الاستنتاجات التي ساقها. ولأن التوظيف السياسي أحد تلك العناوين الكبيرة لا بد من الأخذ بالمفردات المأخوذة كما هي, بمعنى أن الاستخدام للتقرير ليس محصورا بمهمة اللجنة الدولية, بل وليس هو الهدف تحت أي طائل, كما أنه لا يشكل سوى ذريعة للامتداد أبعد من ذلك وخارج نطاق التوظيف المحدود الذي يتوهمه البعض. ولعل التطابق المثير في التقرير مع التسريبات التي سبق أن نفاها ميليس ذاته تنطق بما لا يحتاج إلى تعليق أو تفنيد, مثلها في ذلك مثل تلك التفسيرات التي قدمها بنفسه عن وجود أكثر من نسخة من التقرير, والتي جاءت لتؤكد الشكوك أكثر مما ساهمت في التبرير, حيث لا أحد في الدنيا يقبل أن يكون مصير المنطقة وربما الكثير من الأحداث في العالم رهنا بهذا الحد المتواضع من الدقة في العمل. من هنا لابد من قراءة التقرير على أنه بداية أخرى لمرحلة الاستهداف التي تتعرض لها سورية والمنطقة,وإذا كانت بدايتها بهذه الطريقة المفضوحة فلنا أن نتوقع ما هو أشد فضائحية, هذا على الأقل ما يمكن استنتاجه من طريقة تعاطي بعض القوى, ولا سيما الإدارة الأميركية التي لم تتردد في الإفصاح عن ذلك بكل وضوح. |
|