تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ليلة التقرير وما بعدها

عربي ودولي
الاحد 23/10/2005م
د. عماد فوزي شعيبي

في حالات الموت اغتيالا تندفع الغرائز الى أعلى مستوى, ولهذا تكثر الاساطير والجدالات والاقوال والتقولات وقطف العناوين وإثارة الناس بكلمة, والكلمة تصبح كلمات متكاثرة,

والاهم ان التأويل والحكايات السحرية والتآمرية والبوليسية تزداد. ولا تزال حتى الآن نظريات الإثارة تتناقلها وسائل الاعلام عن اغتيال دوق النمسا (وهو الاغتيال الذي قاد الى الحرب العالمية الاولى), الى اغتيال جون كينيدي فموت عبد الناصر...‏‏

وقضية اغتيال الحريري تأتي في هذا السياق, هي مثل من الامثلة عن درجة الغرائزية والقطيعية (حسب فرويد في الأنا الجمعي وغوستاف لوبون) التي ترافقت مع هذه القضية, وهي مثل آخر من امثلة التحريض السياسي والاعلامي, وغياب المصداقية لدى عدد من وسائل الاعلام والفضائيات المعنية بهذا الخصوص, واقتطاف العناوين والبناء علىها وتشويه الوعي جماعة وفرادى, في وقت ارتبكت فيه وسائل الاعلام الاخرى, وبدت مصعوقة تتخذ موقفا دفاعيا لا يمتلك الحجة وغير قادر على استخدام المنطق في مناخ هائج من القطيعية.‏‏

أتى تقرير ميليس كي يكمل المشهد, وكان منذ اللحظة الاولى جزءاً من حملة التحريض و (القطف) الاعلامي للعناوين والبناء علىها. تحرض, مرة اخرى, وإثارة قطيعية نوعية..‏‏

تصدينا مع زملائنا من المعنيين بالبلاد لها. ارتبكت بعض الفضائيات .المذيعة في قناة لبنانية ارادت الهروب نحو التحريض, فطلبنا شهادة مراسلتهم في نيويورك عما اذا كان ثمة ادلة أو تسمية مباشرة باتهام صريح لمسؤولين سوريين وليس نقلا على لسان بعض الشهود. أي خارج السرد. بمعنى طلبنا الاستنتاجات والادلة. صادقت المراسلة على ملاحظاتنا ولكن المذيعة اللبنانية بقيت (تحوص).‏‏

لا استنتاجات ولا ادلة عيانية. شددنا على ان على من يريد ان يتحدث عن التقرير ان يقرأه كاملا. كانت القناة الاكثر احتراما لنفسها هي قناة الجزيرة التي تجاوبت معنا, وأوقفت حماسة مراسلها الذي كاد يلقي البيان رقم واحد ضد سورية, وبدأت بتقديم ترجمة مباشرة للتقرير على مدى اربع ساعات.‏‏

البيان رقم واحد صدر من قناة الحرة. رغم التقريع لهم على تسرع مراسليهم بقي الحديث عن ادلة وعن رسالة الوزير الشرع التي ضللت التحقيق مستمرا, رغم ان النص لم يتضمن اي شيء عن تضليل بل كان فيه في الفقرة 27 حديث عن اختلاف بين ما قاله الشرع وما جاء في شهادات اخرى لاعداء سورية. من أين أتت عبارة التضليل ... لا نعرف, فجأة اقحمت بدون مبرر ومع ذلك بقيت (الصورة النمطية) ماثلة في الاذهان حتى الآن وترددها شبكات الاخبار والهدف هو ترسيخها في اذهان الناس والتألىب على سورية داخلا وخارجا.‏‏

تراهم كانوا يريدونها ان ترسخ كغيرها في الاذهان ... النتيجة انها قد حصلت.‏‏

اضطررت آسفا لتقريع المذيع في قناة الحرة واتهام مراسليهم بالجهل والتجهيل عدة مرات, وكان اللافت انهم اتصلوا بي مرتين خلال اربع ساعات ليعيدوا نفس الكلام وليتلقوا نفس التقريع ... كانت في الحقيقة معركة شعرت فيها انني اقاتل اشباحا وطواحين هواء. كان المشهد دونكيشوتيا. لان اللاعقلانية كانت الغالبة فكانت اشباحا, والعقلانية تقاتل وحدها بعناد, المشهد اكثر كاريكاتيرية لما حدث فور قتل الحريري. في تلك الليلة.‏‏

عودة الى التقرير: كان الملاحظ انه جاء فضفاضا. اشبه بقميص عثمان (المطاطي) (الستريتش): عرض بلا اتهام مباشر, وتنويهات تقارب الاتهام بلا ادلة حسية. الشهود (يدعون) و (يزعمون) كما جاء في الفقرة 96 (التي حذف منها اسماء المسؤولين السوريين واللبنانيين بحرفية سنناقشها). الكلمة التي وردت باللغة الانكليزية (claim) هي زعم. بمعنى ان التقرير لا يقر بانها صحيحة تماما. ومع ذلك فقد اعتمدتها بعض وسائل الاعلام على انها اتهام. بحثنا في التقرير على مفردة (الاتهام) بالانكليزية لم نجد!!.‏‏

التقرير كان فضفاضا على طريقة تقرير ال FBI حول طائرة اللوكيربي. مرة لبس سورية, ومرة لبس ايران, ثم الجبهة الشعبية والقيادة العامة, ثم ... رسا على ليبيا. واستخدم سياسيا ضد كل هذه الجهات للضغط ... والابتزاز, ونفس الشيء يتكرر مع سورية هذه المرة ايضا.‏‏

منذ البداية وفي الفقرة A من عنوان المسؤوليات يقول ميليس: (المسؤولية لا يمكن حصرها بجانب واحد). ومع ذلك بدأت الحملة باعتبارها اتهاما. للحديث صلة.‏‏

* رئيس مركز المعطيات والدراسات الاستراتيجية‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية