تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عالم السيد المطلق

معاً على الطريق
الاحد 23/10/2005م
د. اسكندر لوقا

يطرح قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر, معادلة تستحق من المؤمنين بأن الحياة لا يمكن أن تكون عادلة,

بكل ما تعنيه العبارة, إلا إذا ساد العدل كل أرجاء الأرض. وحذر قداسته من خطر أن يكون الإنسان سيداً على العالم وعلى نفسه.‏

جاء تحذيره هذا في سياق استقباله 252 أسقفاً من جميع أنحاء العالم في مناسبة انعقاد مجمع أساقفة استشاري موسع (سينودس) في كاتدرائية القديس بطرس في حاضرة الفاتيكان.‏

إن معادلة كهذه التي أطلقها قداسته أمام جمع الآباء السينودسيين ال ,252 يشكل بالمعنى الذي رمى إليه ونتفهّم أغراضه, يشكل انعطافاً مهماً في الحياة البشرية عموماً, وذلك بغض النظر عن طبيعة المجتمع في العصر الحالي, خصوصاً مع عبور البشرية الألفية الثالثة قبل سنوات قليلة, حيث الأنا السياسية والاقتصادية والعسكرية, باتت في مواقع عديدة في عالم اليوم, صاحبة الموقف والكلمة معاً, بسبب من امتلاكها كل أصناف القوة.‏

إن عامل إدارة دفة عالم اليوم, لم تعد تتجلى - بكل الأسف - في قدرة الإنسان على الإبداع أو التفوق بالعلم والأدب على ما عداه, كذلك لم تعد المجتمعات التي أعطت الحضارات القديمة وسائل المعرفة وحدها القادرة على تنظيم شؤون الحياة, بما في ذلك النهوض بمستوى العلاقات بين الدول والشعوب إلى مستواها المثالي المنشود, وإنما تمركزت هذه الإمكانية في أيدي من يحاولون السيطرة على العالم بأسره, ليقينهم بأنهم وحدهم الأسياد على العالم وعلى أنفسهم في الوقت ذاته, من حيث قدرتهم على التحرك بحرية أتاحتها لهم ظروف معروفة, بينها المستجدات التي حدثت على الأرض خلال العقود الثلاثة الأخيرة, وكانت بتداعياتها سبباً مباشراً في خداع الكثيرين من الناس بأن العالم إذ غدا قرية صغيرة بعد انتشار وسائل الإعلام المرئية بهذه الكثافة التي نراها, أصبح في الوقت ذاته, في مجال سيطرتهم وفي قبضتهم. ومن هنا نرى كيف صارت الكلمة المسموعة في أيامنا هذه, كلمة من يرى إلى الآخر نظرة السيد إلى عبده, والمالك إلى تابعه.‏

وإذ يقول قداسة البابا في قداس افتتاح أعمال مجمع الأساقفة إن الإنسان حين يكون سيداً مطلقاً على العالم وعلى نفسه لا يمكن أن يسود العدل, فهو يرمي بالتالي إلى القول - كما نفهم - إن الإنسان عندما لا يرى الآخر على شبهه ومثاله, لا يمكن إلا أن يضل سبيله إلى إحقاق الحق, وبالتالي ينسى - إن لم يكن يتناسى - أن الآخر له أيضاً حق الحياة بحرية وبكرامة وفي مناخ من العدل. فالعدل وحده هو الذي يجعل المرء يعود إلى ذاته, وعندئذ فقط تتجلى له حقيقة أن الحياة لم تصنع من أجله فقط, بل من أجل الآخرين أيضاً, ومن البديهي أن ينالوا منها نصيبهم بمقدار ما يخلصون لها وما يبذلون من جهد لتكون العدالة سائدة على الأرض.‏

وبطبيعة الحال, فإن تخطي هذه المعادلة التي أطلقها قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر من موقعه كرئيس لسلطة دينية عالمية, لابد أن تدفع صاحب الحظوة باتجاه الخطيئة التي تقوده إلى مزيد من الشعور بأنه الأقوى من الجميع وإلى حد يقينه بأن العالم, كل العالم, هو رهن إرادته. ومن هنا نجد اليوم من يعتقد أنه قادر على خداع الآخر بما يملك من وسائل نشر الكلمات, مقروءة كانت أم مسموعة أم مرئية, ومن يعتقد أنه بسياسة العولمة التي صار لها حضورها المؤثر في أرجاء العالم بطريقة أو بأخرى, قادر على امتلاك قرار جعل البشرية في موقع التابع من دون أن يكون له حق الاعتراض حتى على استلاب تاريخه.‏

في خطبة قداسة البابا, يكمن التحذير من الانسياق وراء خداع الآخر وخداع النفس, وذلك على نحو اعتقاد البعض بأن عالم اليوم هو عالم السيد الأوحد أو المطلق, وفي حال تجاوز التحذير لابد أن تدخل البشرية مجدداً عصر الظلام, وفي نفق قد يصعب الخروج منه, من دون مرور كارثة إنسانية لا تحمد عقباها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية