تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل تتعظ اليابان من دروس الماضي?

لوموند
دراسات سياسية
الاحد 23/10/2005م
ترجمة: سهيلة حمامة

تثير الزيارات السنوية لرئيس الوزراء الياباني إلى ( ياسوكوني جنيجا( معبر البلد الهادىء)) حيث تم تسجيل أسماء الذين قضوا من أجل الوطن,

تثير منذ زمن بعيد غضب الصين وكوريا الجنوبية, اللتين ترفضان أن تكرم دولة اليابان موقعا يعد مرتعا لمجرمي الحرب على أنه نصب للشهداء, يبدو أن اليابان تدرس بجدية ايجاد حل للمشكلة, ولاسيما وقف الزيارات الرسمية بلا شرط, والذي يوافق عليه 49% من اليابانيين بحسب استطلاع للرأي أجري مؤخرا.‏

ويرتئي حل آخر نقل رفات مجرمي الحرب إلى معبر آخر مع ذلك أكد منذ فترة قليلة مدير مكتب وزارة الصحة والعمل الذي يدير في اليابان شؤون إحياء الذكرى والجنائز بأن الشخصيات المعنية ( ليسوا مجرمين), مجددا الخطاب المحافظ الداعي إلى عدم إجراء محاكم طوكيو القضائية اليوم.‏

بعد مضي ستين عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية, يبقى اليابانيون ضحية ذكريات أليمة اذ لم يتمكنوا من تجاوز النزاع الداخلي الذي يعذبهم, وظلوا منقسمين بين مسؤوليتهم الوطنية عن الجرائم التي ارتكبتها جيوشهم وانطباع قوي بأنه تمت السيطرة عليهم وقتلهم بواسطة غرب صلف يغريهم, لكنهم لم يفهموا لامصالحة ولاقيمة, وبأنهم كانوا ضحايا أكثر من كونهم جلادين.‏

لنتذكر بعض الأرقام لقد أدت الحرب العالمية الثانية إلى سقوط عدد كبير من الضحايا في اليابان فطبقا للتاريخ الذي توقف عنده الإحصاء وبحسب المصادر, هلك ما بين 1,750,000إلى 2300,000 عسكري في النزاع. بالنسبة للمدنيين يتراوح العدد ما بين 660,000 و 800,000 من القتلى أي أن مجموع الضحايا بلغ ما بين 2410,000و3100,000 هذا المجموع يمثل على الأقل 4% من عدد السكان البالغ 73 مليون نسمة في بداية حرب المحيط الهادىء.‏

وفي الأرخبيل قصف الأميركان أكثر من 175 مدينة يضاف اليها عشرات البلدات الصغيرة, ويقدر الجيش الأميركي أنه تم تدمير 40% من المباني في المدن اذ بلغ في أوساكا 59% وفي طوكيو 65% وفي ناغويا 89%.‏

القنبلة التي تم القاؤها على هيروشيما وهي من اليورانيوم قد دمرت 90% من المباني وأهلكت نحو 70,000 شخص على الفور وقضى ضعف العدد في الأسابيع والأشهر والأعوام اللاحقة.‏

في ناغازاكي كانت القنبلة من البلوتونيوم وتأثير انفجارها كان مركزا بسبب الشكل الخاص للتضاريس اذ لا قى نحو 40,000 شخص مصرعهم في ذات اليوم لنذكر أخيرا بأن جزيرة أوكيناوا كانت مسرحا لمعارك طاحنة أصابت المدنيين بخسائر جسيمة, جميع هذه المعلومات متوفرة بسهولة في الكتب اليابانية, ولاسيما في الكتب المدرسية على العكس أعطيت أعداد القتلى والخسائر الناجمة عن اليابان بشكل أقل انتظاما وخاصة مع ميل واضح للتمييز بين الأميركيين والآسيويين في الصين يبدو أن عدد الضحايا الذي يعزى مباشرة إلى الجيش الياباني شديد التقلب فقد تراوح عدد الجنود القتلى ما بين 1300,000 و 1500,000 بين عامي 1937 و 1945 بينما وصل عدد المدنيين إلى عدة ملايين مع ذلك من الصعب أن نكون أكثر دقة اذ بين الضحايا الذين أحصتهم الأمم المتحدة عام 1947 قد قتل العديد منهم على يد صينيين آخرين وبالرغم من أن مسؤولية اليابان في المجاعة الكبيرة في عامي 1945-1946 كانت مؤكدة يمكن التذرع دائما بأنهم كانوا ضحايا غير مباشرين وتوجد ذات الشكوك فيما يتعلق بالخسائر في الفليبين وأندونيسيا وفيتنام, اذ من الواضح أن الجيوش اليابانية قد تسببت في ملايين القتلى في الصين وخارجها وليس لدى اليابانيين شعور واضح بجسامة إثمهم, تلك الملايين المتأرجحة والمجهولة تبدو قليلة الشأن مقارنة بمصرع 2,303,998 من مواطنيهم الذين قضوا في سبيل البلاد والذين سجلت أسماؤهم في ياسوكوني جينجا.‏

على العكس كان لدى اليابانيين شعور واضح بأنهم ضحية الغر ب وخاصة الولايات المتحدة يؤكد اليابانيون أن الأميركيين لم يتكبدوا سوى القليل من الخسائر خلال الحرب في المحيط الهادىء بطريقة فظة, يمكن القول بأن اليابانيين قتلوا حوالى 100,000 أميركي في حين أن الأميركان قتلوا في الوقت نفسه ما يقرب من 1,4 مليون ياباني (900,000 جندي و 500,000 مدني ) أي بنسبة مرعبة قدرها من 1 إلى .14‏

على الرغم من أن هذه المعطيات لا يتم التعبير عنها بهذه الخشونة في الأرخبيل كونها تجرح الكرامة الوطنية وتسيء إلى مصالح التحالف الاستراتيجي الياباني - الأميركي, يصر اليابانيون على أنهم قتلوا على يد خصم عديم الرحمة وهم لا يتحملون مسؤولية لا الأرقام التي تظهرهم على أنهم كانوا محتلين مروعين للصين ولا تلك التي تعطيهم الإنطباع بأنهم غلبوا كشعب بدائي, أو بدقة أكثر إنهم لا يتقبلون كلا الأمرين اذ على الرغم من الترابط الداخلي لحركة التوسع العدواني التي تنطلق من السيطرة على مند شوري وأدت إلى احتلال المحيط الهادىء لم تدرك أبداً بأن القصف الأميركي لأراضيها كان عقابا لأفعالها الرديئة في الصين, فضلا على ذلك فإن نتيجة الاحتلال والحرب الباردة دفعت اليابان إلى ربط مصيرها بمصير المنتصر عليها وبقيت الصين الشيوعية في خندق الأعداء أكثر من أي وقت مضى, هذا التباين بين الجريمة والعقاب يجعل من الحالة اليابانية حالة خاصة مختلفة عن وضع المانيا.‏

يمكن تفسير هذه الظاهرة جزئيا بأن اليابان لم تقبل أبدا الإدانات عن جرائم الحرب التي أعلنتها محكمة الشرق الأقصى, إن إعدام ستة جنرالات وديبلوماسيين عام 1948 ( كذلك الحكم بالإعدام على ألف مدان برتبة BوC لم ينسهم التاريخ ابدا كما تبينه قضية ( ياسوكوني جينجا).‏

بالإضافة إلى ذلك كرس العديد من الأماكن لهم وفي شبه جزيرة إيزو أقيم معبد بوذي خاص بهم, أما قبورهم فتوجد على جبل سانغان في مقاطعة أينشي بجانب العديد من القبور العادية, وفي وسط طوكيو نشاهد مقابل المحطة المركزية تمثالا يعرف باسم ( أي نوزو الحب) بني تخليدا لذكراهم عام .1955‏

في اليابان لم يظهر أي بطل يرمز إلى ما تود الأمة أن تحتفظ به من تاريخ الحرب العالمية الثانية في الأرخبيل لا نجد ما يشابه متحف ( جان مولان) او النصب التذكاري ( لماك آرثر) ولا يوجد تمثال هام لتخليد ذكرى هذا المقاوم أو الرجل السياسي, كما لا توجد شخصية سيئة أو شنيعة لأن الكثيرين كما يذكر الباحث التاريخي ( أوغوما إيجي) يشعرون بأنهم جلادون وضحايا في آن معا بشكل متزامن ودون علاقة العلة بالمعلول.‏

لذا فإن الشخصيات التي ترمز إلى ما بعد الحرب تكون بشكل شبه دائم مجهولة ورمزية كالعديد من تماثيل ( من أجل السلام) التي نجدها بالقرب من المحطات أو أمام البلديات, يجب أن نأمل برؤية اليابانيين قريبا وقد قبلوا أن يغفلوا عن ماضيهم وأن يضعوا خطوطا أكثر وضوحا بين الأبطال وأولئك الذين أساؤوا.‏

إنه بالتأكيد شرط ضروري لبناء علاقات ثقة على المدى الطويل مع جيرانهم الآسيويين, مع ذلك لا يمكن القيام بهذا العمل دون متابعة مراقبة سلوك الأميركيين خلال وبعد الأعمال الحربية ولاسيما دون فهم شامل ومتباين للأسباب والنتائج لمجمل التاريخ الاستعماري..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية