تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حروب النفط وسياسة توازن الرعب

الديلي ستار
دراسات سياسية
الاحد 23/10/2005م
ترجمة: خديجة القصاب

لماذا تحول توازن الرعب بين الشرق والغرب الى الطاقة ومشكلات التزود بها?

وأي علاقة بين هذا التوازن واندلاع ما يسمى بحروب النفط القادمة, وكيف يخدم تأجيج (معركة الطاقة) واشنطن في دفاعها عن سياسة القطب الواحد?‏

كشفت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في نيسان الماضي إن الدول الغنية تطلق الوعود دون أن تلتزم بتنفيذها يضاف الى ذلك خضوع أسواق الطاقة من ذهب اسود الى غاز على غرار المواد الأولية الأخرى الى المضاربات أكثر من استجابتها لقانون العرض والطلب إذ تشكل تلك المضاربات الوجه الآخر لسباق التسلح النووي الذي تحتكره الولايات المتحدة الأميركية منذ أيام حرب النجوم قبل ربع قرن من الآن, سباق ترجمه على أرض الواقع زيارة الرئيس بيل كلينتون للهند في آذار عام 2000 وذلك بعد أن تمخضت المباحثات بين نيودلهي وواشنطن حول ما يسمى فرض حظر على اجراء الهند تجارب نوويةوالحد من تصنيعها للصواريخ ذات الرؤوس النووية رغم امتلاك الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن وبخاصة الولايات المتحدة لمئات من تلك الرؤوس, ولم تخل تلك الزيارة من خلفية سياسية تهدف الى قطع الطريق أمام تقارب وشيك بين موسكو وبكين ونيودلهي من جهة, وبين موسكو وبكين وطوكيو من جهة أخرى,وذلك على صعيد التبادل الاقتصادي والتجاري. فقد كشف المتعاملون في أسواق البورصة العالمية (نيويورك -فرانكفورت- باريس - لندن- طوكيو), إن احتياطي الولايات المتحدة الأميركية المستهلك الأول في العالم للنفط في تزايد مستمر رغم تدفق نفط العراق الى ولاية تكساس حيث تقع مستودعات تخزين شركتي سيفرون وتكساكو.‏

ألن تجمع الدول الصناعية الثماني الكبرى على ضرورة زيادة احتياطها من الطاقة النفطية والغاز في أخر قمة لها (آب الماضي) وترافقت تلك الزيارة مع ارتفاع حجم تسلح البنتاغون وصول ميزانية استثماراته الى قرابة (500 مليار دولار) للعام الجاري.‏

ولأن معدل استهلاك الولايات المتحدة من النفط يبلغ ربع استهلاك العالم مقارنة مع نسبة 12% استهلاك الصين تعمل إدارة بوش المرتبطة بتروستات نفط تكساكو على البقاء في العراق أطول مدة ممكنة فالبرغم من ارتفاع مستويات النمو الاقتصادي المتوقعة في الصين خلال الأعوام القادمة إلا أن موارد العالم من النفط بات مصيرها ملازماً لمصير حرب العراق التي تتصاعد منذ غزو هذه الدولة العربية عام 2003 حتى اليوم.‏

وتحتاج الولايات المتحدة سنوياً الى مزيد من النفط للإنفاق على تسليح الفضاء وعسكرته ونهب ثروات المناطق التي تشتعل فيها الحروب الأهلية وبؤر التوتر, ولأن ثلثي احتياطي النفط في العالم متوفر في الخليج العربي جاء التلاعب بأسعاره ليخدم أطماع شركات البترول الأميركية صاحبة الامتيازات الأوسع في تلك البقعة من العالم .‏

ومنذ السبعينيات ازداد استهلاك المواطن الأميركي للنفط مما زاد في مبيعات السيارات في الولايات المتحدة الأمر الذي أدى الى ارتفاع تدريجي للذهب الأسود ثم انخفض استهلاك النفط الأميركي مقدراً بالدولار من الناتج المحلي الإجمالي قليلاً ,الأمر الذي عكس تحولاً اقتصادياً عاماً من المشاريع الصناعية والمنتجات التي تحتاج الى طاقة أقل, ألا تحتاج البرامج الإلكترونية الى طاقة أقل مما يتطلبه إنتاج طن من الحديد الصلب?‏

في بداية الثمانينات سجلت تكاليف استخراج الطاقة نسبة 14% من الاقتصاد الأميركي بينما تصل التكلفة اليوم الى نسبة 7% مع زيادة حجم التضخم وللحد من ارتفاع الأسعار أو التضخيم يفترض أن تصل أسعار النفط الى 80 دولاراً لكل برميل وذلك للحصول على المستويات الحقيقية التي سجلت في آذار عام 1981 وإن لم تتمكن الإدارة الأميركية من تحقيق نمو اقتصادي داخلي ومستوى بنسبة 3% فإن سعر برميل ,النفط سينخفض الى 25 دولاراً عام 2010 ليرتفع الى 30 دولاراً عام .2025‏

وبالمقابل سيزداد الاعتماد على النفط سنوياً ليصل الى نسبة 1,5% أي أنه سيرتفع من 20 مليون برميل في عام 2003 الى 27,9 مليون برميل .2025‏

ويواجه النظام السياسي في واشنطن صعوبة في الحفاظ على التوازن على صعيدي الطاقة والدبلوماسية المتعلقة بالطاقة ولكن هذه السياسة قد تتغير بشكل تدريجي خلال العقد القادم. ويرى عدد من المراقبين أن هناك ائتلافاً جديداً سيظهر بين المحافظين من صقور السياسة الخارجية الذين لديهم مخاوف من اعتماد أميركا على نفط الخليج العربي وبين حزب البيئة الأحرار.‏

فمن وجهة نظر الصقور فإن مشكلة الطاقة الحقيقية لا تتمثل بغياب احتياطي النفط دائماً في تواجده في منطقة الشرق الأوسط و روسيا لذلك يجب كبح التعطش الأميركي للنفط وليس فتح شهيتها مجدداً.وبينما يرى حزب الخضر أنه حتى لو كانت مصادر الطاقة متوفرة فإن قدرة البيئة على احتمال معدلات الاستهلاك الحالية محدودة. وتلتقي جميع السيناريوهات التي تتم دراستها من قبل الهيئة الحكومية العالمية حول تغيير المناخ بفضل الاحتباس الحراري والأوزون على أن مستويات تركيز ثاني اوكسيد الكربون في الغلاف الجوي سوف تصل عام 2100 الى ما يقرب ثلاثة أضعاف المستويات التي كانت عليها قبل الحقبة الصناعية.‏

وفيما تظل الإدارة الأميركية تتشكك حول جدوى مثل هذه الدراسات فإن عدداً من الولايات والحكومات المحلية تتخذ اجراءات من شأنها الحد من انبعاث ثاني اوكسيد الكربون, و الأهم من ذلك كله فقد تعهدت عدة شركات أميركية كجنرال الكتريك بالتمسك بأهداف حزب الخضر وبتجاوز الترتيبات التي وضعتها الحكومة المهنية.‏

ويرى الرئيس بوش بأن التقدم التقني في استخدام وقود الهيدروجين وخلايا الوقود سيحد من استيراد النفط على المدى القريب, ولأن تلك المعايير تحتاج لتغييرات رئيسية في عمليات النقل وهذا يتطلب عقوداً لإنجازه فمن المرجح ألا يطرأ تغيير هام على سياسات الإدارة الأميركية فيما يتعلق باستهلاك الأميركيين من الطاقة خلال الأعوام القليلة القادمة.‏

حتى لو تسلمت إدارة جديدة زمام السلطة في البلاد ووضعت سياسات جديدة بهذا الشأن بعد مغادرة جورج بوش الابن البيت الأبيض عام 2008 فإن حاجة الولايات المتحدة للنفط والغاز لن تتراجع.‏

فخلال الأعوام القليلة القادمة من المرجح أن تقوم قوى السوق بدور أكثر أهمية على صعيد سياسات واشنطن بالنسبة لتأثيرها على قطاعات الاستهلاك.فعلى سبيل المثال بين عامي 1978-1976 قامت الإدارات الأميركية المتعاقبة بإجراء تحسين على فعالية الوقود بالنسبة لصناعة السيارات الأميركية وصلت نسبتها الى 40%.‏

فإذا ما تعرضت أميركا لأي هجوم خارجي كما يرجح صقور البيت الأبيض فسوف ترتفع أسعار النفط سريعاً, الأمر الذي سيؤدي الى إحداث تغيير سريع في المناخ السياسي الأميركي.‏

فالاستقلال في إنتاج الطاقة يبدو مستحيلاً في الولايات المتحدة التي تستهلك ربع إنتاج العالم من النفط وتمتلك فقط 3% من احتياطيها, وهكذا فتعطش أميركا للحصول على النفط سيستمر لأمد بعيد.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية