|
موقع :غلوبال ريسيرش في تلك الأثناء كانت يوغسلافيا تتعرض لقصف جوي من قبل طائرات الناتو و الذي شاركت فيه ألمانيا. لقد صدرت تلك العبارة عن رئيس حزب الخضر و الذي كان يحتل منصب وزير الخارجية لألمانيا، حيث جاء تعليقه ليبرر الحرب ضد الشعب الصربي الذي عان في الماضي في الحربين العالميتين الوبال تحت وطأة الإمبريالية الألمانية. كان يوشكا فيشر في السبعينات ناشط يساري راديكالي و أصبح من المؤسسين لمجموعات الخضر «أنصار البيئة» في الثمانينيات. حُدد الهدف الأساسي لتأسيس مثل هذا الحزب لخلق تمثيل برلماني لأنصار المحافظة على البيئة و المعارضين للحروب. فلو أدعى أحدهم في تلك الفترة بإمكانية لعب هذا الحزب في نهاية الألفية الثانية دوراً نشطاً في الحرب العدوانية ضد يوغوسلافيا، لأعتبر ذلك مخالفاً للمنطق و غير واقعي. كذلك كان مجرد فكرة مشاركة ألمانية بحرب ما من المحرمات و لا يوجد أحد من أحزاب اليسار أو اليمين ليجرء أن يأخذ مثل هذه الأمر بالإعتبار و خاصة بعد العام 1945 حيث كان هنالك إجماع عام على أنه لا ينبغي أن تنطلق حرب من ألمانيا مرة آخرى. يعتبر التحول السياسي الكبير في ألمانيا و الذي كان له إنعكاس على مناطق واسعة من أوروبا الغربية، دور في إيضاح تحول العديد من وسائل الإعلام التابعة لليسار الأوروبي إلى وسائل داعية و منفذة للحرب و غالباً ما كانت تتفوق بشكل كبير على وسائل إعلام اليمين الأوروبي. مع ظهور مشروع «التدخلات الإنسانية» و مبرراتها الأخلاقية تبدو مصداقية السياسيين «التقدميين» أمام الرأي العام أكبر من تلك الموجودة لدى المنتمين للمحافظين الجدد عندما يتعلق الأمر في تبرير التدخل العسكري في بلد ما. يرتبط العديد من الداعين للعسكرة في وسائل إعلام الأحزاب اليسارية بأوروبا الغربية بجموعات الخضر أو الأحزاب الديموقراطية الإجتماعية، حيث أن أول محرض للحرب العسكرية «لدواعي إنسانية» هو دانيال كوهن بينديت، عضو حزب الخضر الفرنسي و كان من أول المؤسسين لفكرة إلغاء الدول الوطنية الأوربية لحساب تقوية الإتحاد الأوروبي. طالب دانيال كوهن آنذاك بقصف الصرب أثناء الحرب الأهلية في جمهورية البوسنة التي كانت تتبع ليوغسلافية السابقة و «كل لا يتفق مع ذلك يتحمل المسؤولية نفسها كالتي حملها هؤلاء أثناء جرائم الإبادة النازية في الحرب العالمية الثانية و الذين وقفوا لا يحركون ساكناً « : « العار علينا نحن هذا الجيل الذي أحتقر آباءه بسبب جبنهم السياسي، نشاهد اليوم، فاقدي القوة و المساعدة و ربما معجبين بأنفسنا، ضحايا مسلمي البوسنة الذين يتعرضون للتطهير العرقي». لقد حيكت الفرصة الذهبية بإتقان تام أثناء حرب البوسنة عبر رسم توازيات الإجرام النازي و شيطنة تلك التي تقف عائق في طريق تحقيق المصالح الجيوإستراتيجية الغربية. مثال على ذلك قصة معسكرات الموت في البوسنة: نشرت صحيفة بريطانية في آب من العام 1992 صورة لرجل نحيل جداً يقف خلف الأسلاك الشائكة كدليل على وجود ما يسمى معسكرات إعتقال صربية تشبه تلك التي أقامها النازيون، لكن تبين لاحقا عبر الصحفي الألماني توماس دايشمان، أن الرجل يقف خارج سور الأسلاك الشائكة و لم يكن معتقل خلفه. بالتأكيد كان هنالك معتقل لأسرى لدى كل الأطراف و كانت الظروف فيها مرعبة بلا شك و لكن حاولت الدعاية «البروبوغاندا» الغربية تبييض صورة الكروات و المسلمين و تقديمهم كضحايا للرأي العام و بنفس الوقت قدمت صرب البوسنة على أنهم برابرة و نازيون. لا يعتبر المشروع الغربي جديداً في الحرب الإعلامية عندما يشملون المتحاربين و مجموعات بشرية كاملة في عملية شيطنة مقصودة. عندما نبحث عن تفهم غير مسيس للفاشية كشكل من أشكال التعصب القومي عندئذ يمكن لأحزاب اليسار الحديثة إعتبار الحروب العدوانية «كتدخلات إنسانية» و بالتالي أفعال «معادية للفاشية». بالمقابل ترى النظرة اليسارية للفاشية كونها ليست إيدولوجية شيفونية و عنصرية فقط، و إنما تراعي أيضاً خلفياتها الإقتصادية و إتحادها مع رأس المال و صناعة التسلح و النخب السياسية. أمتنعت كل من ألمانيا و روسيا و الصين و الهند و البرازيل عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 1973 في شهر آذار من العام 2011 و الذي أوصى بفرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا، حيث أستخدم كذريعة من أجل العدوان على ليبيا. ففي ألمانيا تعرض الإئتلاف الحاكم للنقد من قبل صفوف حزب الديمقراطي الإجتماعي و من قبل حزب « الخضر» و وجهوا لوم على الحكومة كونها لم تأخذ موقفاً قوياً مؤيداً للحرب. كذلك هاجم وزير الخارجية السابق يوشكا فيشر وزير الخارجية اللاحق فيسترفيلة لكونه لم يؤيد قرار الداعين للحرب معللاً ذلك بأن فرصة حق ألمانيا في نيل مقعد دائم في مجلس الأمن قد «رمي به في صندوق النفايات». من غير المستغرب أن يقف السياسيون اليساريون و مجموعات « الخضر» في أوروبا الغربية كأقوى داعمي إستراتيجية الحرب و خاصة في الصراع الدائر في سورية، و الذي يحركه و يموله الغرب بشكل كبير، و كذلك في الحروب الأهلية في يوغسلافيا و ليبيا. ما يبين الأمر هو رفض رئيسة حزب الخضر بألمانيا «كلاوديا روت» في مقابلة تلفزيونية لأي صوت عقلاني يدعوا إلى المفاوضات مع الحكومة السورية و منهم الكاتب و السياسي السابق «يورغن تودنهوفر» صاحب الموقف المعتدل، حيث سافر منذ فترة إلى دمشق و كان له لقاء صحفي مع بشار الأسد، حتى يتمكن العالم من سماع «الجهة الآخرى». لم تتقبل «كلاوديا روت» حقيقة أن الأسد يسمع ما يقول له أحد ما رأيه و كتمت إمتعاضها من «تودنهوفر» و رحلته إلى دمشق و تمتمت بكلامات غير مفهومة. و بنفس الوقت عبر الرئيس الفرنسي الإشتراكي المنتخب حديثاً فرانسوا هولاند، كأول زعيم أوروبي، عن تبنيه علناً لخيار العدوان على سورية و قال في تصريحه أمام العالم بأنه لا يستبعد «تدخل عسكري دولي» في سورية. لقد جاء إنتخاب هولاند كرئيس تعبيراً عن أمل العديد من الفرنسيين لوضع حد لسياسة سابقه نيكولا ساركوزي الليبرالية الجديدة الفاسدة و أن يعوضها بسياسة ذات طابع إنساني. أما ما يخص السياسة الخارجية فقد تابع هولاند و للأسف أجندة الإستعمار الجديد لسلفه ساركوزي. أما الفيلسوف الفرنسي، المتظاهر بنفسه و مدعاة سخرية الإعلام، برنارد هنري ليفي، يدعوا حكومة بلاده للتدخل في سورية بحجة منع «قتل المدنيين الأبرياء»، تلك الدعوة للحرب والتي سوقت على أنها دلالة على نشاط إنساني ذو جذور راسخة. ففي رسالة له للرئيس الفرنسي نشرتها صحيفة « Huffington Post « أعتبر فيها ليفي مجزرة الحولة كمبرر للتدخل في سورية. على الرغم من كشف حقيقة مجزرة الحولة التي أركتبتها المجموعات المسلحة و كان ضحاياها من أنصار حكومة الأسد، فأن ذلك لم يلائم « فاعل الخير» ليفي. من «أوشفيتس» في البوسنة و كوسوفو إلى سورية، تبقى الإستراتيجية هي نفسها، عندما تهب الشعوب للتصدي للعدوان الخارجي، هي نفسها التي تلعب على الوعي و تأنيب الضمير و تكتيك « لا تقفوا مكتوفي الأيدي» ولا أحد يجيد هذا التكتيك اليوم سوى «التقدميين» السامريين المزيفين. مع الأخذ بهذا ننتقل إلى مثال ألمانيا، حيث عملت الحكومة الألمانية على نشر البروبوغاندا المعادية لسورية، فهي لا تبدي الحماسة في تحديد الوقت للتدخل ، كما هو موجود لدى العديد من صفوف «التقدميين». فالتعويل على حكومة ميركل الليبرالية الجديدة والصديقة لأمريكا و التي لا ترقى إلى مستوى المعارضة بألمانية الداعمة للتدخل العسكري، لا يأتي بشيئ إيجابي لذلك تدعوا حكومة ميركل، العارفة لمقدار المجازفة في المغامرة العسكرية، إلى « الحل الدبلوماسي». على الرغم من أن سيرة الإئتلاف الحاكم بعيدة جداً عن البراءة في أمور «التدخلات»، يصبح الوضع أسوأ فيما لو أتت إنتخابات البرلمان الألماني في العام 2013 مرة آخرى لصالح حكومة من تحالف «الخضر» مع «الديموقراطي الإجتماعي» ، كما كان الحال بين عامي 1998 – 2005. بالنهاية فقد كانت آنذاك نقلة تاريخية منذ الحرب العالمية الثانية، حكومة تكون للرأي العام الألماني مقبولة إجتماعياً. بقلم بنيامين شيت |
|