|
مجتمع
و أن ثمة تغيراً طرأ في الأولويات وتبدلاً في تسلسل منظومة القيم خيرها و شرها حسب تطور المجتمع و انفتاحه على ثقافات غريبة عن مجتمعنا شكلاً و مضموناً ، فالعنف بات بطولة، و«الفهلوي والحربوق هو الذكي ، أما الصادق و المخلص و الطيب قد يلقبه البعض بالدرويش ، و المنافق الذي يسعى نحو منفعته و مصلحته هو الذي يعرف من أين تُؤكل الكتف و ابن زمانه . مكتسبة أم فطرية .. ثابتة أم متغيرة .. ما وظيفة القيم في الحياة الاجتماعية .. من المسؤول عن انتشارها أو انكماشها ؟ تفضيلات مقبولة اجتماعياً حول تلك التساؤلات تحدث الدكتور هاني عمران مدرس في كلية الآداب والعلوم الانسانية بجامعة دمشق قسم علم الاجتماع خلال ندوة حوارية تناولت موضوع القيم المثير للجدل، حيث أشار إلى مفهوم القيمة على اعتبارها هي من الأفكار والتصورات العامة شكلاً ، أما ناحية المضمون فهي اعتقادات عامة من النوع الآمر الناهي، و تعبر عن الرغبات والتفضيلات المقبولة اجتماعياً حول موضوع معين، و تعكس القيمة علاقة الذات بموضوع ما، فالقيمة تكمن في الذات التي تقيم الموضوع الذي يقيّم، وتصنف القيم وفق موضوعاتها إلى قيم اجتماعية و ثقافية ودينية وسياسية وجمالية وفنية وأخلاقية ، كما تصنف القيم وفق الذات التي تقيّمها إلى قيم غائية و قيم أدائية، فالقيم الغائية الفردية تنشد السعادة واللذة و الجمال، بينما القيم المجتمعية تسعى للازدهار والأمان و الحضارة والتنمية ، وتقسم القيم الأدائية إلى قيم الكفاءة الشخصية عبر التنافس والذكاء والانجاز والصبر والتفاهم والتعاون والقبول الاجتماعي، ومن القيم الأدائية قيم أخلاقية تحدد أنماط السلوك المفضل على أساس من الخير والشر فهناك القيم السلبية والايجابية. تحقق الترابط بين أفراد المجتمع و يؤكد د. عمران أن القيم ليست فطرية و لا تولد معنا بل ُتكتسب بالتعلم من المجتمع و الحياة عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالأسرة و المدرسة و الاعلام و مؤسسات الضبط الاجتماعي و المؤسسات الدينية و الحياة العملية، ووظائفها مرتبطة بحاجات الفرد والمجتمع حيث تقوم بوظيفة التوجيه والتنظيم وتحقيق التوافق بين الأفراد من خلال الترابط والتآلف والانضباط والاستقامة وحماية الذات والهوية الخاصة بالفرد والمجتمع ، كما أنها تعمل على تحقيق الذات من خلال العمل والمعرفة والحكمة واعطاء المعنى، وتًستعمل القيم في معالجة الأمراض النفسية وتصحيح الانحرافات الاجتماعية إضافة إلى الخدمات الارشادية. من صفات القيم تغير أو اضمحلال و تراجع بعضها، وقد تحدد بمواقف و موضوعات معينة أو تكون متخصصة بمواقف دون أخرى ، وتقاس بمدى تجذر بعضها في السياق الاجتماعي و الثقافي للبيئة المجتمعية، كما أن شعبية بعض القيم ُتكتسب من حيث انتشارها أو انكماشها، ومن غموضها أو وضوحها ، من تصارعها أو تصادمها، ومن ترتيبها حسب الأولوية الحياتية ، ومن اتساق سلوك الأشخاص بمواقفهم وآرائهم مع مجتمعهم ، كما أن القيم تشكل جزءاً أساسياً و منظماً للحياة الاجتماعية وجزءاً رئيسياً في كل مشكلة اجتماعية أو أزمة أو صراع اجتماعي داخلي، وتلعب دوراً مهماً في الصراع بين الأمم وعمليات الغزو الثقافي. لنركز على القيم النبيلة و عن الفرق بين القيم و المعايير أشار د. عمران أن القيم تُحترم أو تُراعى بالتزام الأفراد بها طوعاً أو داخلياً ، أما المعايير (القوانين و الأعراف) فيكون احترامها مُلزماً للأفراد عبر وجود سلطة رسمية أو غير رسمية تفرض احترامها و مراعاتها بالثواب و العقاب والمعايير كثيرة وهي بالآلاف وسريعة التغيير بينما القيم بالعشرات و هي بطيئة التغيير نسبياً و لاكتساب القيم الايجابية لا بد من الاشارة إلى أن الاعلام و الدراما والسينما و الشخصيات القدوة في المجتمع كلها تسهم في صناعة القيم و تجذرها في نفوس الناشئة ، فالقيم هي الموجه و المنظم في الحياة ، لذلك لا بد من إعادة النظر في النظام التعليمي و التركيز على القيم الايجابية والنبيلة من خلال اعتماد مبدأ الحوار مع الطلاب ، و الابتعاد عن الطريقة التقليدية التي تعتمد حشو الأفكار والتلقين، والعمل على استنهاض المؤسسات التربوية والاعلامية واحداث مشروعات توعوية وملء أوقات الفراغ، وخلق بيئة تحوي نماذج ايجابية من القيم كالصدق والأمانة والاخلاص والانتماء للوطن لمواجهة الغزو الثقافي الذي يستهدف الجيل الناشئ. |
|