|
ثقافة تلك المقولة الماركسيّة التي شغلت حيّزاً كبيراً من اهتمامات المثقّفين في العالم، لاسيّما التّقدميّين، على مدى سبعين عاماً، ولا يغيّر من قيمة هذا الدّور أنّ التّجربة الماركسيّة في الإتّحاد السوفييتي قد جرى إسقاطها، ليس بفعل خارجيّ فقط، بل بفعل العديد من الأمور الدّاخليّة، فليس دور الإبداع الفنّي بعامّة هو الدّور الجمالي وحده، على أهمّيته، بل ثمّة دور (الحقّ)، و(الخير)، وأعتقد أنّ الدّعوة لِقصْر الإبداعات على دورها الجمالي يُخرجها من كونها إبداعاً، لأنّ وظيفتها الأساسيّة لاتكتمل إلاّ بتحقّق ذلك الثالوث: الخير، والحق، والجمال،وإذا كانت بعض الأزمنة التي توحي بالاستقرار النّسبي، تُغري بالتّنظير، انطلاقاً من مُعطى المشهَد، في الزمن البادي الهدوء، فإنّ أزمنة الحرائق المهدِّدة ستحمل كلّ مافيها من قلق، وخوف، وتشاؤم، ورغبات في الخروج، بمعنى أنّ الرؤية الفكريّة حين تحمل خصوصيّات المشهد، فذلك دليل على الانغماس في الواقع، والامتياح منه، وفي الأزمنة المأزق، تَفرض طبيعةُ الأحداث، أن تكون الشواهد، والأمثلة مأخوذة من المكان ذاته، وقدلا تُقبَل الاستعارات الخارجيّة، إلاّ إذا كانت تتقاطع، جوهريّاً، وإنسانيّاً، وبذا تُصبح جزءاً من المشهد، لاإدخالا عليه، - 2 - عُقد الملتقى السياسي لتحالف أحزاب الجبهة والقوى الوطنيّة والتّقدّميّة الأخير، في دمشق، وضمّ أطراف الجبهة القوميّة التّقدميّة التي شاركت في الحكم في سوريّة منذ إنشائها حتى الآن، إضافة إلى أطراف وقوى حزبيّة نشأت على السّاحة السوريّة، بعد صدور قانون الأحزاب، وهو، لمن يريد التقييم الموضوعي، أوسع تجمّع سياسي، من حيث الكمّ والفاعليّة، والتّاريخيّة الفكريّة السياسيّة، لعلّه من المهمّ الإشارة هنا إلى أنّ بعض الهيئات المعارضة تأخذ لمعاناّ خاصّاً من كونها معارَضة، وفي هذا تعبير عن عدم رضي بعض النّاس عن (السّلطة)، إذ لابدّ من وجود ثغرات هنا وهناك، مهما جهد النّظام في التّطبيق، ولست أبرّر لأحد، أو لمرحلة كانت قاتمة النتائج في سوريّة، بل أنا بصدد التّوصيف، وعبر هذه الفكرة يمكن الإشارة إلى القصائد، وأنا آخذ الشعر هنا لأنّه مجال اهتمامي الأوّل،.. بعض القصائد تأخذ قيمتها الآنيّة، في مهرجان، أو في أمسية، من كونها ركبتْ موجة تضعها حيث ترسو سفن المعارضة، وهذا يؤكّد ماقلناه عن ذلك التّواشج السياسي الإبداعي، في ذلك الملتقى كان ثمّة فقرة عن حَمَلة السّلاح، تخطّتْها التّصريحات الأحدث، وأنا في هذا السياق بصدد حملَة السّلاح من المثقّفين، لعلّ مَن يتساءل هل ثمّة مثقّفون حملوا السّلاح؟ هنا لابدّ من التّوضيح أنّ لكلّ مجنَّد سلاحه، ولكلّ شريحة سلاحها، فسلاح الجندي المقاتل في المعركة، هو بندقيّته، وسلاح جندي الإسعاف أدوات إسعافه، وطريقة أدائه، وهذا ينسحب على المثقّفين، فسلاح المثقّف الكلمة، والموقف المعتَبَر بمثابة كلمة معبِّرة، وإشهار الرأي، انطلاقاً من أنّه يؤدّي دوره في الاستهداف، وفي الكشْف، - 3 - قبل المتابعة، أريد الإشارة إلى أنّ اهمّ التّيارات الداعمة لحملة السّلاح في سوريّة، هي السّعوديّة، وقطر، وتنظيم الإخوان المسلمين العالمي، ودوائر الاستكبار الغربي، وقد بدا ذلك واضحاً في مؤتمر حزب العدالة التّركي، بوجود قياديّين من جماعة الأخوان، من مصر، ومن غزّة، ومن تونس، وقائد الأوركسترا أردوغان، والاحتجاج هنا ليس على تلك اللّحمة، بل على توجّهاتها المنصاعة لعواصم الغرب المتصهينة، فالقضيّة المركزيّة التي هي فلسطين.. مغيَّبة كليّة، وقد أحلّوا محلّها مايُغطّي عليها، ولو عبر إثارة نعرات ماقبل وطنيّة، الإخوان المسلمون يطمئنون إسرائيل أنّ كامب ديفيد بخير، وأحد التّطمينات إغلاق أنفاق غزّة التي كان خالد مشعل شاهداً عليها، ولسنا نعلم من أيّ نفق سيكون عبور (إخوانيّة) أمثال مشعل، جماعة حزب النّهضة في تونس، والذين ربّما أوحى فكر (الغنّوشي)، الذي طرحه عبر أكثر من ربع قرن، بأنّه توجّه إسلامي معتدل،.. فاجأنا باعتراضه على مادة في الدّستور التّونسي تجرّم إقامة التّطبيع مع إسرائيل!! إذن المحور المُعوَّل عليه هو أن تكون إسرائيل مطمئنّة، وأن تدور تلك الدّول في فلك أن تظلّ راضية، وأن تُبعد عنها شبح المقاومة، وليس وراء ذلك إلاّ التّنازل لكلّ ماتريده الصهيونيّة، هذا الموقف الواضح الفاضح، ماعلاقة المثقّفين به،؟ الكلام هنا ليس عن المدارس والمناهج النّقديّة، وليس عن تحقيب جنس من الأجناس، وليس عن قصيدة النّثر، بل الكلام عن مسألة وطنيّة، مصيريّة، جوهريّة، ماموقف المثقّفين، والرّحى دائرة، وليس ثمّة أصابع تكفي للاختباء وراءها، ولا ممرّات آمنة للتلطّي، أشير هنا إلى ظاهرة العلاقة بين السلطة وبعض المثقّفين في سوريّة، منذ 1970م وحتى الآن، أقول (البعض)، لأنّ الحراك المعنيّ كله ليس إلاّ تجمّع أفراد، هذه السلطة، تركتْ لأناس عُرفوا بإشهار عدائيّتهم لهذا النّظام، وهم يعملون في صحفه، وفي مواقعه الثقافيّة الفكريّة، والإعلاميّة، دون أن يتعرّض لهم أحد، حتى كنّا نظنّ أنّ البعض كان على تنسيق مع مايسمّونه هم بالدّولة الخفيّة، وكانت الصّدارة لهم، ولو أردتُ التسمية لطال الكلام، إذ مامعنى أن تكون صباحاً في مؤتمر تُهاجم فيه السّلطة، وفي المساء تكون على مائدة أحد كبار المسؤولين الرئيسيّين فيها؟! إنّ المثقّف حامل سلاح نوعيّ، هو الفكر، والكلمة، والرأي، وهو حين لايُشهر سلاحه في مواجهة مؤامرة كبيرة كالتي نواجهها، فإنّه يضع نفسه خارج دائرة الدّفاع عن الشعب، والمستقبل، والأمّة، وهذا، قياساً على ماأسّسنا، يُفترض أن يُعامل معاملة الجنديّ الذي ألقى سلاحه في ساحة المواجهة، وإذا كان للمعركة الحربيّة قوانينها الصارمة فلا بدّ من وضع قوانين موازية تشمل (المثقّفين)، سيقول البعض إنني أستعدي السّلطة، وحقيقة الأمر أنّني أفضح تلك المواقف التي مازالت تتلطّى وراء مقولات منتنة، وحججٍ واهية، وفي الوقت ذاته أدعو لأن يكون للمثقّفين الوطنيّين، التقدّميّين حضورهم المعبّر الذي يكون من مهامّه وضع قوائم سوداء تخلّت عن الوطن في أشدّ ساعات الحُلْكة، ولا أعرف لماذا لاتُبادر القوى المثقّفة الوطنيّة التّقدّميّة إلى ذلك وتترك مثل هذه الفضاءات لأقلام المعارضة؟!! هنا سينبري مَن يرفع شعار الديمقراطيّة، وحريّة الرأي، وهذه مصيَدة خطيرة، لأنّ الديمقراطيّة، وحريّة الرأي تكون تحت سقف الوطن، وفيما لايهدّد وحدة كيانه، فإذا تعدّت ذلك فهي إمّا عماء البصيرة المطلَق، وإمّا الإنحياز إلى مَن يعملون جهاراً ضدّ هذه الأرض، وهي ليست لعبة كاللعب الأخرى، بل هي لعبة أن نكون، أو لانكون، ليس من الحريّة في شيء، ولا من الديمقراطيّة، ولا من التمسّك بالسّيادة مافعله السادات في كامب ديفيد، وليس من حقّ حزب النّهضة في تونس أن يُصادر إرادة تيّارات وطنيّة، قوميّة، من أجل أن يبقى في السّلطة، ولذا فهو مضطرّ للإنصياع لمن جاء به، وأوصله، ليس من الحريّة أن يأتي من يقول من حقي أن أفاوض إسرائيل، وأن أتّفق معها على ماتريده هي، وأعتقد أنّه ليس من حقّ مَن يملك سلاحاً، يمكن أن يرفد المعركة، أن يتوقّف حامله، لأيّ سبب كان، إن كانت لك اعتراضات، أو مطالب حقّة، يمكن أن نتعاون من أجلها بعد إطفاء النّار، أمّا أن تغوي نفسك بأنّ هذا من حقّك، فذلك ليس لك، لأنّ مصير الشعب، وبقاءه، والإمساك بزمام مستقبله أكبر منّي ومنك، وأهمّ من المشاعر الذاتيّة، أيّا كانت، أعتقد أنّ على المثقّفين الوطنيّين التّقدّميين، الرّافضين هذه الهجمة الصهيو أعرابيّة أن تكون المبادرة في أيديهم، مثلما هي في يد قوّاتنا المسلّحة، وأن يكون الفرز، في التّقييم، واضحاً، وأن لاتكون شكليّات الديموقراطيّة، ومظاهرها أهمّ من حقوق الوطن علينا، |
|