|
ثقافة
الصديقة والحب المؤجل، فهل يليق بقارىء ألا يكون من وضوء الحرف والنفس وهو يدخل بستان كوليت خوري وسليمان العيسى، ونزار قباني وبدوي الجبل ويركن بخشوع في معبد جبران خليل جبران والناسك نعيمة؟ كوليت خوري سيدة الحرف الأنيق المعطر بطهر الوطن، كما أسلفت ذات يوم هنا، اتفقنا على حوار منذ عام 2003م، وها أنا أعد حوارا ثانيا معها مع عبقها لكن ليس وجها لوجه, إنما مع كتاب دونت لي عليه شهادة تقدير أعتز بها، كان ذلك عام 2010م ومما جاء في التقدير الإهداء قولها: في رأيي الصحافة والأدب مجالان مترابطان تمام الارتباط، لكنهما موهبتان مختلفتان ايضا تمام الاختلاف، والجمع بينهما موهبة بحد ذاتها فإليك مع أصفى مودتي إعجابي بموهبتك الثالثة)27\10\2010م.
مرت سبع عجاف على سورية منذ هذه الكلمات الخضراء، ولكن الكتاب لم يكن خارج جرح الناس وكبرياء الوطن، عنوان سهل ممتنع (ويبقى الوطن فوق الجميع، مجموعة مقالات حول العدوان على العراق - سورية ولبنان في الزمن الصعب، تبحر مع سندس الكلمة، وتردد مع بدوي الجبل: يا شاكيا زور وعدي أحلى من الوصل وعدي... التقيت استاذتنا بعد وعد الحوار مرات ومرات، نهلنا من ينبوع أدبها، ولكني كنت أتهيب أن أطرح الأسئلة عليها، ذات يوم كنت بزيارة شاعرنا الراحل سليمان العيسى، وذكرته بما كتبته كوليت خوري، عنه وعن الملكة (وعند سليمان ملكة) فيرد هي إعجاز البلاغة وثراء المعنى، عنوان سيبقى خالدا.. ويبقى الوطن فوق الجميع ليس كتابا عابرا ولا عاديا، إنما هو نقش بالضوء على حبر العيون، نقش على صفحات الوطن التي أهملها الجميع وتغنوا بالوطن (اسما وحالات) بلا فعل ولا عمل، زرقاء اليمامة تقرع جرس الإنذار، ولكن متى كان الكثيرون يصغون إلى ما يقوله حبر القلب والمبدعين..؟
فقدت الكتاب سنوات وظل بعيدا عني، لا أعرف أين صار بمكتبتي التي تحتاج الى ترتيب، صحيح أن المريمين (مريم ومايا) تحتفيان بالكتاب وتقولان لي: جدو نحن سنرتب المكتبة, وتضحك جدتهما (لايصلح العطار ما أفسده الدهر....) وأسألها: هل تعرفين الشطر الأول من البيت؟ ترد نعم: الم تخبرني به حين عرفته أنت؟ نعم: تدس إلى العطار سلعة أهلها.. وهل يصلح العطار ما أفسده الدهر ؟ّ عثرت على الكتاب أمس بركن خلفي قرب ديوان بدوي الجبل، وكم كانت فرحتي كبيرة لأن جزءا غاليا من حبر الوطن المعمد بالطهر عاد ليكون رفيق الدرب، فثمة أعمال لا يمكن أن تتركها لزمن بعيد، تعود إليها كلما شعرت أن فضاءك قد ضاق (لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها لكن أخلاق الرجال تضيق). اتسعت مساحة الأمل، غدت على مقربة من ربيع يبدو بهيا، الوطن الذي هو فوق الجميع، امس كان بالفرح الغامر حين بترت اليد الصهيونية، وبهذه المناسبة أريق كلام كثير، تحليل وآراء ولكن الخلود للفعل ولنص إبداعي يخلده ولفعل ثقافي لا إلى لغو من نواسخ الشابكة،على مقربة من هذا المعنى كنت دائما وابدا على قناعة تامة أن الصحافة بدأت واثمرت أدبيا وفكريا، ولن تكون غير ذلك، فلن ينتظرنا أحد ما ليقرأ ما يجري من أحداث، هو يرى الحدث ويتابعه، وكم سرني حين عرفت أن السيد وزير الإعلام الاستاذ عماد سارة قال ذلك لزملاء لنا أثناء جولته في جريدة الثورة، وقد يسأل أحد ما: ولماذا أنتم غارقون بغير ذلك.....؟ لكن الجواب ليس عندي، هكذا الخطاب الإعلامي السوري غارق فيما لا يعنيه، ولكننا نتلمس خطا التغيير والارتقاء، وهذا لن يكون بقرار إنما من فعل ذواتنا وتطوير مهاراتنا وأدواتنا نحن الصحفيين, وبدعم يجب أن يكون... ويبقى الوطن فوق الجميع فاتحة الكتاب تقول: (لو طلب إليك أن تختاري واحدا من الرجال الذين رحلوا عنا في القرن العشرين ليرافقك إلى القرن الجديد... فمن تختارين من بين هؤلاء العظماء والأحياء والاصدقاء اللامعة... وآه ما أكثرهم... اولئك الذين لن يعبروا معنا جسر الالفية الثانية).... ويسرح تفكيري... كثيرون من الذين سيبقون في القرن العشرين من أصدقائي الاعزاء، واتمنى لو ارافقهم كلهم إلى العالم الجديد... ولكن.. فسأبدأ سنتي الجديدة بالكتابة عن أبي الذي ترك الأثر الأكبر في حياتي وقضيت عمري أقارن به الرجال، فيسقط معظمهم في المقارنة، وآه يا أبي... إنسان القرن العشرين الحقيقي هو أبي ومن يشبه أبي؟)، هذا السؤال المر، آه يا وطن، ليتهم يعرفون أنك فوق الجميع، وأن الكلام الأخضر لايموت، كوليت خوري لك التحية، للوطن رجال مثل ابيك وهم حماته ولكنهم نادرون، وفي المحن تظهر المعادن، ويبقى الوطن، يبقى الحرف وفي البدء كان الكلم.... |
|