تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قراءة في شعر المرأة المعاصر

ملحق ثقافي
2018/2/13
نبوغ أسعد

مخطئ من يعتقد أن المرأة قصرت عن الرجل في أي ميدان من ميادين الحياة ولاسيما أن ميدان الأدب والثقافة منذ أن عرفنا التاريخ إلى يومنا هذا،

يعتبر يوم من أحلك الأيام، وإذ أقول يوماً، فأنا أشير بدلالتي إلى عصر راهن تكالبت فيه قوى الشر والعدوان والجشع والطمع المتمثلة بالكيان الصهيوني وبما زرعه وكونه.. وأنشأ أركانه التي ستكلف هذه الأمة الواقعة على الجحيم أكثر مما ينبغي حتى تعيد الأرض إلى دورتها الأولى.. وإلى ما كانت عليه.. فهناك من الرجال ما حمل أمتعته وهرب منتظراً ومترقباً انتهاء ما تتعرض له سوريا الحبيبة.. من كوارث إرهابية شارداً في خياله لعودة أخرى، وهناك من غدر على شكل آخر وقبض ثمن هزيمته النكراء.. وهناك من الرجال ما وقف عنيداً في وجه هذا الكم الهائل من الغدر.. ليكون مع وطنه إلى نصر لا لبس ولا نقاش فيه.‏‏

وكذلك المرأة لا تختلف أبداً عن الرجل.. فعلي أن أشير بكامل الركائز إلى أولئك النساء الشاعرات اللواتي لا يختلفن أبداً عن شاعرات عرفهن التاريخ.. رفضت التخاذل ورفضن الخيانة ورفضن الهوان وأثبتت إلى جانب الرجل أن المرأة السورية.. لاتبدل وطنها بكنوز الأرض.‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

إذاً، قد أحتاج إلى حلقات لأنني سوف أتناول نساء كثيرات يحتاج قلمي إلى غير ذلك أيضا... فماذا تختلف أمل محسن المناور وانتصار قنبر وأحلام بناوي ولينا المفلح وخلود قدورة وفاطمة عطا الله عن الخنساء شاعرة بني سليم.. فليست الأفضلية بالحضور الإعلامي الذي تعاقب على الزمن.. ولكن المقارنة بما يقرأه صاحب الذائقة الفطنة.. وماذا تختلف إيمان موصللي عن مي زيادة وروز اليوسف.. وماذا تختلف عدنة خير بك عن نازك الملائكة.‏‏

وإذا تناولت نص أمل المناور الذي كتبته في خضم محاولات قوى البشر لتهشيم المرأة وتشويه صورتها، ألا نجد أن أمل قدمت موسيقى لم تتمكن كثيراً من شاعرات الماضي أن يكتبن بمذهبها، إضافة إلى التركيب الفني الذي جاء حذراً في وصوله إلى نهاية النص، فقالت:‏‏

هو البحر يأخذني للسفر... تركت كل ميناء حزن... بقايا قمر.... أنا ما أضعت الطريق.... ولكن أحد المحاذير غافلني وانكسر.‏‏

وامرأة أخرى تحت ظلال ياسمين الشام جاءت بشعر أصيل يسميه من لا يعرف بالتقليدي، ولكن في الحقيقة هو شعر التزم بأنظمة الشعر وتكوينها وأسسها.. في حالة نفسية.. قدمت التحدي الخارق للإرهاب وأثبتت أهمية المرأة العربية الأصيلة التي تقاتل وتقاوم وتدافع عن وطنها.. فكتبت تقول:‏‏

عاث الضلال هنا والرعب منتشر‏‏

والموت يحصدنا والشر أمار‏‏

صبراً على غدر اخوان لنا وثبوا‏‏

من نار حقد صرح وقد غاروا‏‏

عادت قريش لها الرايات قد رفعت‏‏

وأدركت كذباً إذ العدا ساروا‏‏

وبرغم الشر في أنفاسها فسبت‏‏

عذراء ناصعة والغرب غدار‏‏

أما الشابة الفتية التي وصل صوتها إلينا برغم الجدران والإرهاب وما يحاول أن يخلفه الجهل محملاً بالبنى الفنية التي تقدم لنا شاعرة قادمة ومتجهة إلى مستقبل يليق بالموهبة الرافلة بذكاء وقاد.. فقالت:‏‏

النار توقد في البلاد وإنني‏‏

من أوقدت في قلبها الأشعار‏‏

والحرف يبدأ من دمشق ديارنا‏‏

دار لها بين الضلوع ديار‏‏

يا أيها القحط الذي أضنكتها‏‏

وجعلتني محزونة أأجار‏‏

لو كنت تعلم ما الديار وحبها‏‏

لأكلت نفسك واعتلاك العار‏‏

وتهتم أحلام بناوي في تناسق الموضوع الذي يجب أن يكون هيكلاً فنياً واحداً على التفعيلة العاطفية التي انتقتها في نتيجة متفردة إلى نص يختزل تحدي المرأة وإصرارها على البقاء.. مخرمشة وجه من يحاول أن يغاير الحقيقة، وهذا تدل عليه في نصها الوطني سرير للأبد.. فتقول:‏‏

وطني سرير للأبد.. روح بأجساد الدنى.. بل ألف روح في جسد‏‏

لاشيء يشبه موطني... لم تنجب الأرض العظيمة مثله بل لم يكن لك موطني.... كفوا أحد.‏‏

خلود قدورة.. الشاعرة التي الحت عليها عاطفتها أن تذهب لكتابة النص الذي رفل بالشوق وبأحلام الصبايا والأمهات الوطنيات بانسياب شعري دفاق يأخذنا إلى موهبة لا أحد يمكن أن ينكرها فيما قدمه النص من قدرة على شد الانتباه.. فقالت:‏‏

يا طائراً قد مضى قبل سماءهم‏‏

بلغ حبيبي إذا أدركته كمدي‏‏

خبره عن وجعي عن حال عاشقة‏‏

أضحت بغربته طفلاً بلا سند‏‏

خبره عن وطن يشتاق طلعته‏‏

عن موعد لا يفي في قسوة الجلد‏‏

واحمل بجنحيك ما في مهجتي أملاً‏‏

إن ما وصلت له.. إياك أن تعد‏‏

لينا المفلح شاعرة تعتمد في تحديها الشعري المكون بمتانة قوية على تأملاتها الواسعة المدى انبثاق لغتها السليمة بحركة متدافعة لكنها متناسقة في الوصول إلى نص شعري مكانه أيضاً في الصدارة، فكتبت أيضاً في قصيدة (عطر الأرض):‏‏

تبكي الدماء ودمعي لا عيون له‏‏

كأنه البحر يبكي دونه الغرق‏‏

لكني السماء نشيدي غيمة وأنا‏‏

صوت وحيد لكل الأرض يخترق‏‏

لما تبعثر صوت الريح زلزلني‏‏

عرش القلوب بأرض عافها الفسق‏‏

أماه غني فهل في البال أغنية‏‏

يرتل الشوق في أحلامها الودق‏‏

أما إيمان موصللي الشاعرة التي شاءت أن يكون نصها النثري ماثلاً وحاضرها كي تقدم للمتسائل ما يمكن أن تفعله المرأة فيما إذا قدمت على كتابة هذا النوع الشعري الذي لازال يناضل لإثبات وجوده.. فقدمت هوية ثابتة.. وخاصة عندما تمكنت من رصف الدلالات والإيحاءات بشكل فني بعيد عن الضبابية.. وفي صورة استطاعت أن تعوض عن جمال الموسيقا بجمال الدهشة.. فقالت:‏‏

أؤكد لكم‏‏

إني امرأة من فقاعات الملح..‏‏

والغاز المسيل للأحلام‏‏

أتأمل أسراب القنابل الضوئية..‏‏

سأغني مع داليدا (حلوة يابلدي)..‏‏

أجمع القصائد... كما أجمع الطوابع‏‏

لن أقول وداعاً‏‏

وتحير الشاعرة عدنة خير بك المتلقي في نثرياتها الشعرية التي تجمع بين الوداعة والمشاغبة والمطاردة والمواجهة والسخرية في ترتيب شعري واحد على تخطيط هندسي يشير إلى نساء ماجدات.. في وسط ثقافي يجب أن ينصفه الآخر.. وعلى هذا تقدم عدنة خير بك نصوصاً لا تتشابه في الأفكار وإنما تتشابه في نزعتها الوطنية فتقول: في ابنة الشمس:‏‏

عانقي الشمس في الغروب...‏‏

وهي مضرحة بالاحتراق‏‏

اكتسي بالندى فألوانه التي تهرب‏‏

من بين أهدابنا..‏‏

حين نلمسها تشبه الأحلام...‏‏

والأحلام تحملنا... إلى عالم أجمل.‏‏

النتيجة أن سوريا دائماً عريقة ولا يؤثر بها ما تعرض له على مر التاريخ.. فلا بد لنا أن نكون معا إلى ثقافة مثلى وإنني قد قدمت عدداً هو جزء من عقد أكثر امتداداً.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية