تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أشهر المجالس الأدبية عند العرب

ملحق ثقافي
2018/2/13
سلام الفاضل

المجالس الأدبية في تاريخ العرب أكثر من أن تعد أو تحصى. فقد كانت هذه المجالس مختبراً أدبياً حقيقياً فيه يكون الامتحان بطرح الأسئلة وانتظار الإجابة.

ومما لا شك فيه أن شعر المجالس قدم معلومات قيمة كشفت للباحثين مظاهر الحياة الاجتماعية والسياسية والعلمية، وسلطت الضوء على ما كان يدور في هذه المجالس من أحداث بتنوع روّادها على اختلاف ثقافتهم كاشفة عن الأنشطة الفنية والنقدية التي ساهمت على تواضعها بتمييز جيد الشعر من رديئه. وكتب التراث مليئة بالحديث عن هذه المجالس التي كانت تعقد هنا أو هناك، وبما كان يدور فيها ويتخللها من نقاشات وحوارات، ثم ما ينتج عنها من حصيلة أدبية وثقافية.‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

والكتاب الشهري (المجالس الأدبية عند العرب)، تأليف: محمد جميل الحطاب، والصادر مؤخراً ضمن سلسلة «آفاق ثقافية» عن الهيئة العامة السورية للكتاب يتناول هذه المجالس عارضاً لبعضها بحسب ما جاء على لسان مؤلف الكتاب في مقدمته إذ يقول: «بدأت بالحديث عن سوق عكاظ في الجاهلية، وسوق المربد في البصرة، وانتقلت بعد ذلك للحديث عن مجالس الغساسنة والمناذرة وما كان يدور فيها من مساجلات بين الشعراء، وقدمت صورة واضحة عن مجالس الخلفاء في العصرين الأموي والعباسي من أمثال معاوية بن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان وهارون الرشيد والمأمون، ثم انتقلت إلى مجالس سيف الدولة الحمداني في حلب، والمعتمد بن عباد والصاحب بن عباد، ولم أغفل مجالس شخصيات أدبية نسائية هامة من أمثال سكينة بنت الحسين وولادة بنت المستكفي».‏‏

الشعر في بلاط الغساسنة والمناذرة‏‏

يعرض لنا المؤلف في هذا الفصل جملة من أخبار الشعراء الذين اعتادوا التوافد على بلاط كل من الغساسنة والمناذرة وما كان من سجلاتهم وأشعارهم؛ ومن ذلك ما عُرف عن الشاعر النابغة الذبياني، وهو شاعر البلاط عند المناذرة، وأول من اتخذ الشعر وسيلة للتكسب، ما عُرف عنه من قصته مع النعمان بن المنذر الذي غضب عليه إثر حادثة شهيرة طلب فيها النعمان من النابغة وصف المتجردة زوج النعمان فوصفها النابغة وصفاً فاحشاً في قصيدة يقول فيها:‏‏

محطوطة المتنين غير مفاضة‏‏

ريّا الروادف بضة المتجرد‏‏

فغضب عليه النعمان غضباً شديداً وكاد له مما دفعه للهرب إلى بلاط الغساسنة، وانقطع إلى عمرو بن الحارث الغساني وأخيه النعمان يمدحهما، ومن جميل ما قاله في مدحهما:‏‏

إذا ما غزوا بالجيش حلّق فوقهم‏‏

عصائب طير تهتدي بعصائب‏‏

رقاق النعال طيب حجزاتهم‏‏

يحيّون بالريحان يوم السباسب‏‏

أما الشاعر حسان بن ثابت فقد اتصل بأمراء الغساسنة في الشام. وهم من أقربائه في النسب، وقد قال فيهم شعراً هو أضعاف ما قاله في المناذرة، وقد يعود ذلك لقرب الغساسنة من يثرب، وللمصالح الاقتصادية، والهبات والعطايا التي كان يأخذها حسان وأمثاله.‏‏

ومن جميل ما قاله حسان بن ثابت فخراً بنسبه الذي يعلو على كل صاعد:‏‏

ألم ترنا أولاد عمرو بن عامر‏‏

لنا شرف يعلو على كل مرتقي‏‏

ملوك وأبناء الملوك كأننا‏‏

سواري نجوم طالعات بمشرق‏‏

والشاعر طرفة بن العبد الذي اتصل بالملك عمرو بن هند فجعله من ندمائه، كان شاعراً جريئاً على الشعر، هجا عمرو بن هند وأخاه قابوس بقصيدة قال فيها:‏‏

فليت لنا مكان الملك عمرو‏‏

رغوثاً حول قبتنا تخور‏‏

لعمرك إن قابوس بن هند‏‏

ليخلط ملكه حمق كثير‏‏

وكانت هذه القصيدة سبباً في مقتل طرفة بن العبد بعد أن وصل خبرها للملك فأمر عامله في البحرين بقتله، وبذا تكون نهاية هذا الشاعر العملاق الذي أصبح شخصية أسطورية في قافلة الشعراء الملحميين الكبار.‏‏

مجالس عبد الملك بن مروان‏‏

كانت قصور الخلفاء مقصد الناس في كل شيء، إليها يفد الشعراء بمدائحهم. وإن أكثر النقد الذي عرفته بيئة الشام صدر عن الخلفاء والأمراء لسعة إحاطتهم باللغة والأدب، ومعرفتهم الدقيقة بمحاسن الكلام، ومشاركتهم الفعلية فيما كان يجري من حوار أو نقاش.‏‏

وكان عبد الملك بن مروان هو شيخ الحلبة، وخير من عرض للشعر بالنقد، فقد كان إلى جانب صفاته النفسية القوية شديد الحفظ للكتاب والسنة، جيد الفقه لمعانيهما، محباً للأدب، وراوياً للشعر كثير النقد له.‏‏

ويحدثنا كتاب الأغاني أن عبد الملك بن مروان كان يفضل الأخطل لجودة مدحه، فقد جاء في الأخبار أن عبد الملك بن مروان قد قال يوماً للأخطل حين انتهى من رواية قصيدة يقول فيها:‏‏

خفّ القطين فراحوا منك أو بكروا‏‏

وأزعجتهم نوى في صرفها غِير‏‏

وقد نُصرت أمير المؤمنين بنا‏‏

لما أتاك ببطن الغوطة الخبر‏‏

قال له: إن لكل قوم شاعراً، وإن شاعر بني أمية الأخطل.‏‏

ومما جاء في فضل ما كان يقدمه عبد الملك بن مروان من ملاحظات نقدية على ما رآه من فساد المعنى وقصوره عن الوفاء بالغرض في قول جرير يفخر بنفسه، ويهجو بني الفدوكس رهط الأخطل:‏‏

هذا ابن عمي في دمشق خليفة‏‏

لو شئت ساقكم إليّ قطينا‏‏

فقال له عبد الملك: جعلتني شرطياً لك. أما لو قلت: لو شاء ساقكم إليّ قطينا لسقتهم إليك عن آخرهم.‏‏

ومما سبق نرى أن مجالس عبد الملك بن مروان كانت واحدة من تلك المجالس الأدبية التي أبرزت محاسن الشعر وعيوبه، وخلّفت ثروة من الشعر وتراثاً من النقد بروح عربية خالصة قادرة على التذوق والنقد.‏‏

مجالس هارون الرشيد‏‏

يعد مجلس الخليفة هارون الرشيد من أهم مجالس الأدباء العامرة بالأدب والشعر والفكر، والحافلة بأروع ما في الأدب العربي من شعر ونثر.‏‏

ويقول أبو منصور الثعالبي في فضل مجلس هارون الرشيد: «لم يجتمع بباب أحد من الخلفاء والملوك ما اجتمع بباب الرشيد من فحول الشعراء». فقد كان يستقبل الرشيد في مجلسه أعلام الكلمة من كل فن وعلم، فمن روّاد مجلسه أبو نواس، ودعبل، ومسلم بن الوليد، والعباس بن الأحنف، وإبراهيم الموصلي وابنه إسحاق. وكان من أبرز الشعراء الذين لازموا هارون الرشيد الشاعر أبو العتاهية لما تميز به من سلاسة الشعر، وسهولة النظم، وجودة الطبع، وسرعة البديهة، ومن أبرز الأدباء الذين لازموه الكسائي والأصمعي.‏‏

ومن أحد أخبار مجالس هارون الرشيد التي يرويها الأصمعي أن أبا نواس دخل على الخليفة فقال له: ما أحدثت بعدنا يا أبا نواس؟ فقال: يا أمير المؤمنين ولو في الخمر، فقال: قاتلك الله ولو في الخمر، فأنشده:‏‏

يا شقيق النفس من حكم‏‏

نمت عن ليلي ولم أنم‏‏

فاسقني الخمر التي اختمرت‏‏

بخمار الشيب في الرّحم‏‏

فقال له الرشيد: أحسنت، وأمر له بعشرة آلاف درهم.‏‏

ويتابع الكتاب سرد صفحاته في دراسة مهمة تعتمد على نتف وشذرات موزعة بين صفحات المصادر العديدة جُمعت هنا في ذكر أهم المجالس الأدبية للخلفاء والملوك والولاة والأمراء والأدباء، عارضاً ما كان يجري فيها من سجالات وحوارات ونقاشات كان لها عظيم الأثر في رفد الأدب العربي والشعر خاصة بأروع ما قيل فيه، ونتج عنه.‏‏

بقي أن نشير إلى أن هذا الكتاب يقع في 303 صفحات من القطع المتوسط.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية