تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حتى بيوت الله لم تسلم من إرهابهم

القدس المحتلة
الصفحة الأولى
الأربعاء 27-3-2013
د. ندى الحايك خزمو*

هل من كلمات تستطيع أن تعبر عن مدى الحزن والألم لاستشهاد العلامة الدكتور الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي ومن كان معه في المسجد.. بل هل من كلمات تستطيع أن تعبر عن مدى الاستغراب والاستهجان لوصول البعض إلى هذا المنحدر المخزي..

بل هل من كلمات تستطيع أن تعبر عما يجيش في القلوب من حسرة وألم لهذه المرحلة التي وصلت اليها بلادنا العربية والإسلامية..؟! فإلى متى سنظل نعيث فساداً في أراضينا العربية، وفي النزول الى الهاوية السحيقة التي سندفن فيها أحياء ان لم نتعظ؟ ومتى سيصحو من يدعون بأنهم حملة شعلة الاسلام ومبادئه.. وأية مبادئ اسلامية هذه التي تستبيح حتى بيوت الله التي لم تسلم منهم ومن إرهابهم؟ فالاسلام بريء منهم ومن أعمالهم هذه الدنيئة..‏

وهل نستغرب من هؤلاء الذين فقدوا الدين والضمير ان يستبيحوا أماكن العبادة بعد أن استباحوا حرمة الفتيات وأفتوا بما يسمى جهاد المناكحة لينتهكوا عرض الفتيات تحت هذا المسمى بابرام ما سموه عقود نكاح شرعية مع بنات بكر أو مطلقات لمدة قصيرة قد لا تتجاوز الساعة الواحدة في بعض الاحيان، بعدها يتم الطلاق وذلك، كما افتوا لاعطاء الفرصة الى مقاتلين آخرين بالمناكحة، أي البغاء بعينه الذي حللوه كما يحلو لهم ولا يهمهم ما الذي سيحصل لهذه الفتاة أو تلك بعد معاشرة عدد من الرجال لها، وبخاصة لو حملت فكيف سيعرفون ابن من الذي حملت به؟! لذلك لا تستهجن أن يقوم مثل هؤلاء الذين يحللون كما يشاؤون ويفتون بما يشاؤون أن تمتد أيديهم لقتل أبناء جلدتهم حتى وهم في بيوت الله.‏

بالأمس امتدت يد الغدر والحقد الدفين لتقتل صوتاً من أصوات العقل والمحبة والوئام والاتفاق.. صوتاً حمل رسالة الاسلام بكل معانيها ومبادئها.. صوتاً قال كلمة حق لم ترض اصحاب الضمائر الميتة.. صوتاً لم يأل جهداً في سبيل اعادة اللحمة والوحدة الى صفوف الشعب السوري الشقيق الذي استباحته قوى اميركية -صهيونية - أوروبية، وللأسف بمساعدة، بل بتنفيذ من قادة بعض الدول العربية الذين فقدوا الضمير وباعوا وطنهم وكل ما ينادي به الاسلام من محبة وسلام ووئام وتآخ في سبيل مصالح شخصية، وفي سبيل بقائهم على سدة الحكم.. بالأمس امتدت يد الغدر والحقد لتقتل الشيخ الفاضل الدكتور العلامة البوطي.. لم يحسبوا حساباً لعقاب الله ولا لحرمة مكان العبادة الذي استباحوه، ولا الأبرياء من الطلاب وغيرهم ممن كانوا في المسجد (49 شخصاً من الشهداء وحوالي مئة من الجرحى) الذين قتلوهم مع الشيخ الجليل البوطي بدم بارد وبقلب متحجر لا يعرف معاني الرحمة والانسانية، ولا يفقه شيئاً من المبادئ الدينية السمحة للأديان.. أفتوا وقرروا ونفذوا وهم لا يعلمون بأن الله لن يرحم كل يد تمتد لتسفك دم أبناء الوطن، فكيف بالتالي أبناء الدين الواحد.. بل كيف وهم يفجرون مكان عبادة ممتلئاً بالمصلين والطلاب تماماً كما استباحوا الجوامع الأخرى والكنائس ان كان ذلك في سورية أم في العراق أم في مصر؟!‏

فأين حرمة الله وأماكن العبادة يا مدعي الاسلام.. أين أنتم من تعاليم الأديان السماوية التي ترفض قتل النفوس فما بالك بالنفوس البريئة..‏

قررتم ان تكون هديتكم لأوباما أثناء زيارته للمنطقة ولحلفائه الصهاينة وبعض قادة العرب رأس الشهيد العلامة البوطي.. فأصبحتم مثل هيرودس الذي قدم لابنة أخيه رأس يوحنا المعمدان على طبق بعد أن أعجبه رقصها!! فهل أعجبكم رقص أعداء أمتنا العربية على أشلاء جثث ضحايانا التي تسفك دماؤهم كل يوم لتقدموا لهم هذه الهدية على طبق مملوء برؤوس الأبرياء.. هدية للأعداء مغمسة بدم أبناء وطنكم وأبناء جلدتكم، فأي جنس من البشر أنتم؟! بل والله انكم لستم من البشر، وقد تفوقتم على الحيوانات المفترسة في سعيكم لافتراس من يقف في طريقكم وطريق أعدائكم.‏

تدعون أنكم أصحاب حق وتحلمون بربيع عربي، ربما كان في البداية ربيعاً، ولكنكم حولتموه الى جهنم حمراء مملوءة بنار حارقة ستحصد الأخضر واليابس في وطننا العربي.. فأي ثورات هذه تقوم على الدماء والأشلاء؟! أية ثورات هذه شعارها القتل والذبح والحرق واستخدام كل الأسلحة الكيماوية التي تباهيتم بأنكم ستستعملونها ضد أبناء وطنكم؟! ألم تعتبروا مما حدث في دولنا العربية من مآس وويلات ابتداء من العراق، التي مازالت التفجيرات الإرهابية تحصد الألوف من الشهداء فيها.. إلى تونس التي تتخبط بالمشكلات والخلافات.. الى مصر، التي لم يسكن لها ساكن والتي ينادي شعبها بثورة على ثورة.. الى ليبيا، التي دمرها حلف الناتو وشركاؤه العرب.. إلى..الخ، والآن سورية تعيثون فيها دماراً وخراباً وقتلاً باسم الثورة!! الدور سيصلكم لا محالة يا مدعي الديمقراطية والاصلاح والحرية، والتي هي بريئة منكم ومن أعمالكم الوحشية.. الدور سيصلكم لا محالة، وهل تظنون ان شعوبكم لن تصلها العدوى وستقوم عليكم وعلى أنظمتكم التي تفتقر الى أدنى مستويات الديمقراطية والحرية والعدالة والاصلاح؟!‏

قتلوك أيها الشيخ البوطي.. قتلوك وقتلوا معك طلاباً سعوا وراء سماع التعاليم الدينية السمحة، ومصلين كانو يدعون الى رب العباد ليفرج كربة وطنهم.. قتلوك وقتلوا معك أبناء الوطن العربي.. غسلوا أدمغتهم.. بل أخرجوا عقولهم من رؤوسهم.. وإلا فهل من شخص لديه عقل يرتكب مثل هذه الجرائم الوحشية وهذه المجازر البشعة التي استباحت حتى حرمة الأماكن الدينية تماما كما يستبيح الصهاينة مقدساتنا كل يوم، وكما يفعلون بأبناء شعبنا الفلسطيني من قتل وتدمير وارهاب بعد أن تتلمذوا على أيدي الارهابيين الجزارين أعداء أمتنا العربية؟!‏

الصهاينة وحلفاؤهم أعداؤنا ونحن لا نستغرب أن يقوموا بكل هذه الأعمال الوحشية، ولكن أنتم أبناء وطن واحد وأبناء دين واحد فكيف ترضون على أنفسكم القيام بمثل هذه المجازر البشعة.‏

رحمك الله يا أيها الشيخ البوطي يا شهيد المحراب.. خافوا منك وأرعبتهم كلمة الحق فلم يتحملوا سماعها، فظنوا أنهم أسكتوها، ولكنهم لا يعلمون أن كلمة الحق موجودة في قلب كل تلميذ تتلمذ على يديك، وفي قلب كل من أحبوك وأحبوا طلتك على محراب كل مسجد وقفت فيه خطيباً بكل تواضع وخشوع، سلاحك فكرك الذي ينبع من الايمان الحقيقي، ونهجك الذي يدعو الى المحبة والاخاء والسلام ومقاومة أعداء الله وأعداء الوطن، الإرهابيين الذين كفروا وظلموا وعاثوا فساداً.‏

ورحم الله كل شهداء وطننا العربي ابتداء من شهداء فلسطين وانتهاء بشهداء سورية.‏

*نائبة رئيس التحرير- مجلة البيادر السياسي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية