|
آراء إلى أن خرجت من الحدود الأمريكية، في عملية التمدد والتصدير الطبيعية لفائض أي سلعة، وفق المنظور الماركسي، وسلعة الولايات المتحدة الأشهر التي تنتجها وتصدرها للعالم هي الحرب والإرهاب وبضاعة الموت الشهيرة. وتشكل الحرب، وصناعتها، وتمويلها، أحد الأسس الأهم في الاقتصاد الأمريكي الذي يديره المجمع الصناعي الحربي المعروف. وبات من الواضح، تماماً، أن الولايات المتحدة، لا تنفك، وفي متوالية متصاعدة، من الخروج من حرب، حتى تنغمس في غيرها، متوالية لن تنقطع، ولن تنتهي، كما يبدو، إلا بزوال وتفكك إمبراطورية الشر هذه. ومن الحقائق التاريخية والعسكرية الراسخة، أنه، منذ إنزال النورماندي في العام 1945، لم تذق الولايات المتحدة الأمريكية طعم أي إنجاز عسكري، ومن نافل القول، أن الجيش السوفييتي الأحمر، كان في حينه قد أنهك قوات «المحور»، وفي مقدمها، قوات هتلر التي كانت بعض فلولها ترابض في فرنسا، أي إننا، يمكن أن نعزو، ومن دون أية مجازفة، وبكل ثقة بالنفس، النجاح الأمريكي هذا، إلى الجيش الأحمر، بمعنى أن انتصار النورماندي، «الأمريكي» المزعوم كان منقوصاً، بشكل من الأشكال. في السياق ذاته، وبعد أن فرغت الولايات المتحدة، من الانغماس في الحرب الكورية التي أفضت لتقسيم هذه الدولة الآسيوية إلى شمالية وجنوبية، وهو بأحد وجوهه هزيمة استراتيجية أخرى، للأمريكان، ليس إلا، جرّبت الولايات المتحدة، في العام 1965، حظها العاثر في غزو فيتنام، تحت «البدعة» السياسية، إياها، تصدير الديمقراطية لدول العالم، لكن مشهد رجال المارينز، ما زال عالقاً في الذهن، مذ ذاك، وهم يتعلقون، بأذيال طائرات الهوليكبتر الأمريكية، الفارّة من ميادين القتال، لا تلوي على شيء، طالبة النجاة من مصائد وأفخاخ رجال الفييتكونغ والجنرال «جياب» الأبطال الذين مرغوا صلف الكاوبوي بالوحل، في واحد من أمرّ وأفدح الهزائم العسكرية الكبرى في التاريخ، أمام شعب شبه أعزل، فالحماقة والغباء والعنجهية وقصر النظر والتهور والنهم الإمبريالي الأمريكي، هي أقوى الأسلحة التي بات يمتلكها خصوم أمريكا اليوم، ويفلحون في توظيفها في معاركهم مع اليانكي الأمريكي الذي تساءل، ذات يوم، وبعد كل هذا التاريخ «العظيم»، وباستغراب المتغابي المرذول، على لسان أشهر مجانينه ومهرّجيه الكبار: «لماذا يكرهوننا؟». وتتكرر وتتجدد الحماقات والنزوات العدوانية الأمريكية وعربداتها، وصولاتها وجولاتها، في غير مكان من العالم، وتصل، بعد المرور، بلبنان، وإيران، وتورطها في حروب الخليج الأولى والثانية، إلى أفغانستان، بعد تفجيرات أيلول سبتمبر من العام 2001، حيث يأبي التهور الأمريكي إلا أن يعلن عن نفسه في كل مرة، عندما بدأت الأخبار تتواتر عن التشنيع والإذلال والمهانات العسكرية، والفضائح الميدانية التي يواجهها «الناتو» المتأمرك في هذا البلد الفقير المنهك، والذي يسير ويدار على «السبحانية»، والتوكل على الله. وفي العراق، حيث ما زال الجرح الأمريكي ساخناً، وما تزال الهزيمة المنكرة، والانسحاب المشين، تحت جنح الليل، ماثلاً للجميع، وبقية القصة معروفة. وها هو اليانكي الأمريكي، الذي اختار التموضع والاصطفاف في الجانب الخطأ من التاريخ والتحالف مع قوى الشر والبغي والإثم والظلام والعدوان، يتلقى صفعة مذلة أخرى في سورية، حين تورط، وانحاز لطرف، ووجهة نظر واحدة، في الأزمة السورية، غير أننا بتنا نلمس، بوضوح، بوادر هزيمة استراتيجية أخرى، تجلت في عدة أشكال، أولها العجز عن تحقيق أي إنجاز معتبر على الأرض، وثانيها، التراجع الظاهري والانصياع لوجهة النظر والقراءة الروسية الواعية، المنفتحة والعقلانية للمشهد السوري، وثالثها، إقلاع الأمريكان، وعلى نحو مخجل ومهين، بالنسبة لهم على الأقل، عن اجترار ومضغ تلك «العلكة» المستهلكة المنادية، برحيل قيادات هنا وهناك، والنفخ في قربة لا شرعية هذا او ذاك. وككل إمبراطوريات التاريخ، تسعى الولايات المتحدة للتوسع والهيمنة، لكنها، وبجهل مطبق أيضاً، لكل حقائق التاريخ، لا تسعى بذلك، وكما غيرها، إلا إلى الانتحار والموت الإمبراطوري ومواجهة الأجل المحتوم، الذي يتجلى في هذا الانحسار والتراجع لهيبتها، والتآكل، والاهتراء، والسقوط والانهيار العسكري، قبل الأخلاقي المدوي والمهين، ونحن حقيقة، أمام حال، من أفول وزوال إمبراطوري واستعماري جديد. وإلى كل الذين يعولون على نصر أمريكي في سورية، ويقامرون بذلك، ويضعون كل بيضهم في سلالها، فما هم، حقيقة، سوى بانتظار، موسم حصاد وهم جديد، وهزيمة استراتيجية مجلجلة أخرى لليانكي الأمريكي في سورية، وأي هزيمة منكرة، ومرّة، هذه المرة؟ |
|