|
شؤون سياسية وغيض من فيض أن تعّد بعض مجازرها من مجازر حيفا والقدس والعباسية والقصاص وكفر قاسم ودير ياسين وعين الزيتون وصفد ورام الله، واللد، والحولة، وأم الشوف وآخرها المجازر التي ارتكبتها في عدوانها على غزة، ولا أحد ينسى مجزرة الحرم الإبراهيمي التي ارتكبها الإرهابي باروخ غولد شتاين في شهر رمضان عام (1994)، ولايهم معرفة اسم القاتل، لأنه بموجب معاهدة روما يمكن تحريك محكمة الجزاء الدولية دون معرفة اسم مرتكب الجرائم بل يكفي معرفة من يقود السياسة القمعية «ضد مجموعة كبيرة من السكان المدنيين» لتحريك دعوى. وعلى الرغم من هذا التاريخ الطويل من القتل والأذى الروحي والجسدي وإخضاع الفلسطينيين لظروف معيشية يراد منها تدميرهم، مع التحريض المباشر والعلني لمتطرفين فيها على ممارسة هذه الأفعال، فإن إسرائيل مازالت الاستثناء الذي لاتطوله العدالة الدولية، وغدت سمعة الجيش الإسرائيلي هي الأسوأ من بين الجيوش التي تدخل في نزاعات مسلحة حول العالم، ويبدو أن هذه السمعة تسر قادة إسرائيل المتعاقبين على الحكم، ماداموا لايخضعون لمساءلات دولية، إضافة إلى أن خبرة جيش الاحتلال الإسرائيلي غدت مطلوبة لدى بعض الأنظمة ولاسيما حكومات الأمر الواقع أو أنظمة تتناغم معها بالتفرقة العنصرية، كما في نظام الابارتيد البائد في جنوب إفريقية. رينيه أندريه بافون، المنافح الرئيس عن حقوق الإنسان في هندوراس يرى أنه لاشيء مستهجناً في أن تطلب حكومة الأمر الواقع الحالية التي انقلبت على رئيس هندوراس مانويل ثيلا، الدعم من «الأساتذة» الكبار في «إرهاب الدولة» القادمين من الدولة الصهيونية لتتعلم منهم الموت، والتحريات والرعب، وكيف تتعامل ضد سكان هندوراس الذين يطالبون بالحياة الدستورية. حكومة ميشوليتي استحضرت عناصر كوماندوس إسرائيليين لتدريب قوات الجيش والشرطة الهندوراسية ليقدموا خبرات بلدهم هناك كما قدموها في الحرب الأهلية في كولومبيا. يقول بافون إن البعثة العسكرية الإسرائيلية مهمتها تدريب الجيش والشرطة في هندوراس لقمع أي تظاهرة أو حركة رفض، بشكل عدواني وعنيف وارتكاب جرائم منهجية لبث الخوف والرعب لتفكيك أي مقاومة لحكومة الأمر الواقع، ولو كانت غير مسلحة، وإن سمعة إسرائيل سبقتها إلى هناك مابث الرعب في ضمير السكان. وثمة استراتيجية أخرى يعلمها «الأساتذة» للعسكر وهي أن يزرعوا العنف في كل مكان، واتهام أي مقاومة بأنها إرهابية وأنها سبب هذاالعنف وإسناد كل الجرائم إليها، وهكذا غدت الخيارات في هندوراس هي خيارات المستشارين الإسرائيليين، وعلمتهم أيضاً أسلوب كيس في الرأس عند التوقيفات وربما أساليب التعذيب. وفي كولومبيا التي تتعرض لنزاع مسلح منذ 50 عاماً (4 ملايين مبعد من أرضه) سقط فيه آلاف الضحايا، تعلمت الحكومة فيها من إسرائيل رفض احترام قواعد الاتفاقات الدولية لتستبدل بها عبارة «الحرب على الإرهاب» تنصلاً من المسؤولية، فهل ستصبح كولومبيا إسرائيل أميركا اللاتينية كما توقع الرئيس الفنزويلي هوغوشافيز؟ إذ إنها بدأت بالتحرش بجيرانها كما فعلت عام 2008 عندما تدخلت في الإكوادور. وهل المطلوب أميركياً أن تنقل إسرائيل تجاربها حول العالم؟ ففي العالم العربي كانت رأس الحربة وعملت على تفتيت العرب بالحيلولة دون وحدتهم، فهل وجودها في أميركا اللاتينية للحيلولة دون وحدة دول أميركا اللاتينية؟. أولاً يبدو أن الدور الإسرائيلي هناك له هدف في خلخلة دور أميركا اللاتينية المتزايد في دعم القضية الفلسطينية، وثانياً تحقيق مكاسب للولايات المتحدة مقابل استمرار الدعم الكامل لسياسات تل أبيب في الشرق الأوسط. صحيفة واشنطن بوست في افتتاحيتها في 1 شباط الماضي تحدثت عن دور غربي في تحديث النزاعات حول العالم ولاسيما الطائفية، لتغيير بنية بعض المناطق في العالم وإرساء مشاريع مثل مشروع الشرق الأوسط الجديد ومشروع إفريقية الجديد، وربما اليوم يضاف إليهما مشروع أميركا اللاتينية الجديد، لفرض سياسات الأمر الواقع، بذريعة مكافحة الإرهاب، وكل هذه المشاريع تشارك فيها إسرائيل ففي منحى تنفيذ عمليات تحت العلم المزيف أرسلت إسرائيل خبرات عسكرية إلى دولة إفريقية الوسطى لتدريب جيشها في بانفي بهدف التدخل العسكري في دار فور، ومد رقعة النشاط الإسرائيلي والوصول إلى منابع النفط هناك. ويبدو أن قادة حزب إسرائيل بيتنا وعلى رأسهم أفيغدور ليبرمان، وهم من غلاة العنصريين والبلطجية من أصحاب الأعمال القذرة التي تدار في الخفاء هم الذين سيتولون إدارة قواعد اللعبة الأميركية الإسرائيلية في غير مكان من العالم، وبالأمس تكتمت السلطات الإسرائيلية على زيارات ليبرمان إلى بعض دول أميركا اللاتينية، وغداً ستخفي زياراته في إفريقية الوسطى للعبث بمستقبل هذه الدول، وربما بحثاً عن فرض ديمقراطيات الأمر الواقع بالقوة وإقامة قواعد تبيع فيها سمعتها التي تسبقها وخبراتها الإجرامية وأسلحة. فهل تغدو جرائم إسرائيل في القتل بدم بارد، وفي التمرد على الاتفاقيات الدولية من روما إلى جنيف إلى المواثيق الدولية، الأساس لخبرة تصبح بضاعة رائجة حول العالم؟. |
|