|
شؤون سياسية فالأزمات المستعصية إنما ميدانها التي سماها مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق زبيغينو برجينسكي لسنوات خلت، «قوس الأزمات» بين الشرق الأدنى وبين آسيا الوسطى، مروراً بأفغانستان وباكستان، ومحورها هو الشرق الأدنى. على نقيض فلسفة المحافظين الجدد بوصفها محور سياسة الإدارة الأمريكية السابقة التي زعمت أن القضية الفلسطينية ثانوية، يعتقد الرئيس أوباما أن استئناف قيادة أمريكا العالم، ولو على نحو جزئي ونسبي، مستحيل من دون إيجاد تسوية ما للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، حيث لاتزال القضية الفلسطينية تشغل اهتمام العالمين العربي والإسلامي. ويعتقد المتابعون الأمريكيون والعرب للسياسة الخارجية، وللمواقف وللتحركات التي يقوم بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أن هذا الأخير يواجه تحدياً حقيقياً من جانب إسرائيل بوصفها حليفة استراتيجية تقوم بدور وظيفي لمصلحة الولايات المتحدة، لاتتخلى عنه وعن مواقفها وسياساتها بسهولة إزاء قضية الصراع العربي- الصهيوني، مع أن أمريكا حليفة أقوى منها وبما لايقاس ورغم حاجة إسرائيل إليها اقتصادياً وعسكرياً ووجودياً. والسبب في ذلك أن حكومة إسرائيل اليوم، هي حكومة فاشية بكل ماتعني هذا الكلمة من معنى دقيق، وهي تعبر بدقة عن حقيقة هذا المجتمع الصهيوني المندفع بقوة وعنف نحو التطرف والتشدد في كل مايتعلق بمعتقداته الصهيونية، حكومة يرأسها بنيامين نتنياهو ووزير خارجيتها افيغدور ليبرمان، والاثنان من أنصار التهويد الكامل لفلسطين. إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما لن تدفعه العاصفة القادمة من إسرائيل إلى التخلي عن استراتيجيته المتعلقة بمواجهة قوس الأزمات في الشرق الأوسط، ففي مجال الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي لايزال أوباما يخوض معركة وقف الاستيطان على أنواعه، ولاسيما في القدس وهو يحظى بدعم قوي من الكونغرس الذي تستفيد منه إسرائيل للضغط على أي إدارة حاكمة. وتعتبر معركة الاستيطان التي يخوضها الرئيس الأمريكي باراك أوباما مهمة في ظل الظروف العربية الاستسلامية الراهنة حيث لاوجود لنظام إقليمي عربي فاعل، وحيث تعيش القضية الفلسطينية مراحل تصفيتها من دون أن يكون لدى الفصائل المقاومة المجاهدة أوهام من أن هذه المعركة ستحقق للشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية المشروعة، وفي القلب منها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. لكن في فلسفة السياسة الخارجية للرئيس أوباما، ينبع اهتمامه بإيجاد تسوية ما للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بوصفه جوهر الصراع العربي- الإسرائيلي، هي بكل تأكيد لاتلبي طموحات الشعب الفلسطيني، من ضرورة نزع ورقة القضية الفلسطينية التي تستخدمها القوى الأصولية المتشددة على تنوعها وتناقضاتها المنتشرة في العالم العربي والإسلامي لتغطية الإرهاب الذي تمارسه ضد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي كله. فالخطب السياسية التي ألقاها الرئيس الأمريكي منذ وصوله إلى البيت الأبيض في أنقرة والقاهرة واختلافه العلني والواضح مع إسرائيل وتحديداً مع رئيس حكومة اليمين الفاشي التي يرأسها بنيامين نتنياهو وأغلبية أعضاء حكومته الأشد غلواً منه في التطرف والفاشية، وإصراره أيضاً على وقف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، سواء كان جديداً أم استجابة لنمو طبيعي للمستوطنات وإصراره كذلك على الدول العربية ولاسيما الكبيرة منها (مصر والمملكة العربية السعودية) كي تقدم على خطوات تطبيعية معينة مع إسرائيل، كلها دلائل تشير إلى جدية الرئيس الأمريكي أوباما في البحث عن إيجاد تسوية ما للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وفي لقائه الأخير بواشنطن مع الرئيس المصري أشاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بـ«الخطوة في الاتجاه الصحيح» التي اتخذتها اسرائيل بشأن المستوطنات،وحسب بعض المصادر المقربة من البيت الأبيض فإن الرئيس أوباما سيطرح في خطابه الذي سيلقيه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تبدأ أعمال دورتها العادية السنوية في أيلول المقبل «أفكاراً أولية لخطته السياسية لمنطقة الشرق الأوسط. رغم أن خطة أوباما ليست واضحة المعالم إلى حد الآن، فإن الفصائل الفلسطينية على اختلاف مرجعياتها ليس لديها أوهام حول إمكانية أن تستجيب هذه الخطة للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، ولاسيما حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس على الأراضي المحتلة عام 1967 وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، بل إن هذه الفصائل لديها اعتقاد من أن الهدف من وراء هذه الخطة هو تحقيق التطبيع بين العرب وإسرائيل في مقابل وقف الاستيطان وليس إزالته. |
|