|
هآرتس كان الهدف منه تنبيهه إلى النتائج التي تفضي إليها تلك الأنواع من الحرائق، وإنذاره بأن بناء 850 وحدة سكنية في الضفة الغربية كاستجابة “وطنية” لإخلاء بيت إيل التابع لحي الأولبانة سيقود بشكل غير مباشر لاندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة. ثمة احتمالات ثلاثة وراء تحذير الخبراء: أولها أن نتنياهو والوكالات العسكرية والمدنية التي تعمل معه لا ترغب بانتفاضة ثالثة. وثانيها أنهم يجدون بنتنياهو الشخص المناسب لتلقي مثل تلك التحذيرات. وثالثها هو أن الفلسطينيين يمكنهم تجاوز أي سوء معاملة بهدوء باستثناء الأمور الدينية التي يرتكبها نظامنا المعادي لهم. هناك الكثير من الأمور الأخرى التي يمكن أن تراها عيون من خارج الشرق الأوسط والتي بإمكانها أن ترى خمسة أسباب أخرى على الأقل يمارسها الاحتلال تمثل سواء أكانت منفردة أو مجتمعة مبرراً يقود إلى انتفاضة شعبية. لكن ليس ثمة مجال واسع لذكر كل شيء، ولا نرغب بتكرار ما يقال حيث أصبح من كثرة تداوله مثيراً للضجر والملل لذلك سنكتفي بعرض دراسة سريعة. لقد حل فصل الصيف وكما هي العادة سيعاني مئات الآلاف من الفلسطينيين من عدم توفر المياه لهم لأننا نسيطر بشكل عام على مواردها ودأبنا على إعطاء اليهود المياه بشكل غير محدود بينما تركنا للفلسطينيين ما تبقى منها. أما في غزة فإن “بقايا” المياه ستكون آسنة وغير صالحة للشرب من قبل الإنسان أو الحيوان. علاوة على ذلك، يعيش نحو مليوني فلسطيني في حلم العودة إلى أرض سرقت منهم لبناء المستوطنات، بعد أن تم اغتصابها من سكانها الأصليين والمزارعين ورعاة الماشية عن طريق ترهيبهم وإطلاق النار عليهم وحرق محاصيلهم وبيوتهم وزرع الخوف في قلوبهم وبذلك أصبحنا نسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية حيث عمدنا إلى رسم المخططات من أجل إشادة المباني لليهود في الوقت الذي نحظر به البناء في تلك الأراضي على الفلسطينيين أصحابها الشرعيين ومن ثم قمنا بإنشاء المستعمرات بتمييز عنصري على بقع متناثرة من الأرض الفلسطينية والتي عرف عما تبقى منها باسم “الجيوب الفلسطينية”. لقد بدت هيمنتنا بشكل واضح وجلي من خلال الأسوار والجدران التي شيدناها والشبكة المعقدة من تصاريح الحركة والمرور وما أصدرناه من قرارات في المحظورات على الفلسطينيين ومن الطرق المسدودة يضاف إلى ذلك ما اتبعناه من سيطرة على السكان كل ذلك أوجد ما يسمى بسياسة “الردع” التي تقوم على أن حرية الحركة والزواج والعمل والإقامة تحق لليهود فقط في سائر أرجاء البلاد، كما قال في ذلك وزير الداخلية إيلي يشاي، أما بالنسبة للفلسطينيين فهناك العزل والاعتقال والحصار. إن ما نشهده من ممارسات تجري على أرض الواقع تعطي دليلا قاطعا على ماهية الديمقراطية المتبعة وحقيقة الدولة اليهودية وخلافا لتقديرات بعض الخبراء في شؤون الشرق الأوسط فهم يعتقدون أن كل ذلك لن يفضي إلى اندلاع انتفاضة ثالثة. يؤكد الواقع بأن الجماعات اليمينية لديها الرغبة والمصلحة في التحريض على القيام بانتفاضة ثالثة عبر التلويح بالعامل الديني المرعب. وذلك ليس لأنهم يرغبون ويهوون قيام الانتفاضة بل لأنهم يريدون أن ينتهزوا الفرصة ليقوموا بقمعها لذلك يسعون للإسراع بنشوبها في هذا الوقت الذي يغرق به العالم العربي في مستنقع الحروب الأهلية الباردة منها والساخنة على حد سواء، ولأن من مصلحتهم جني المكاسب الديموغرافية والإقليمية من الانتفاضة لكن كيف يمكن أن يتحقق لهم ما يبتغون؟ إنهم يبذلون قصارى جهودهم في هذه الآونة في العمل على إجراء ترحيل جماعي للفلسطينيين إلى الأردن “الدولة الفلسطينية” التي يقترحها الكثير من المستوطنين والجناح اليميني الذين أنشؤوا المستوطنات في شتى الأصقاع الفلسطينية وجعلوها ترتفع لتضاهي قمة جبل سيناء ولا بد من القول إن نتنياهو يؤيد هذا النهج ويعمل على ترسيخه، إضافة إلى الضغوط التي يتعرض لها من الفئات العسكرية والمدنية اليمينية التي تؤمن بهذا التوجه وعلينا أن لا نبتعد عن تلك الحقيقة أو ننساها. إن ما يدور من نقاش حول هدم أبنية الأولبانة أو الإبقاء عليها هو مجرد خلاف تكتيكي بين فئات من التجمعات اليمينية التي تحمل أهدافا مشتركة التي ترمي جميعها إلى الوقوف في وجه الانتفاضة الثالثة وقمعها وتشكل تلك المواجهة جزءا من استراتيجيتها لذلك يتعين على خبراء الشرق الأوسط ألا يكتفوا بتحذير نتنياهو فحسب بل يجب أن يوجه التحذير إلى ملايين الإسرائيليين الذين يرغبون في العيش بسلام وأمان وإلى الأشخاص الذين يخططون لاحتجاجات الصيف مما قد يحدث في المستقبل. كما يتعين على الخبراء أيضا ألا يكتفوا بتحذير الإسرائيليين مما يفضي إليه حرق المسجد من أخطار بل تحذيرهم أيضا من أخطار أخرى ترتكبها حكومتهم قد تقود بهم إلى نتائج لا تحمد عقباها. بقلم: عميرة حاس |
|