تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في العقيـــــدة الوهّابيّــــة

ثقافة
الأربعاء 27-6-2012
عبد الكريم النّاعم

1- الغرض من هذه المقالة هو بسط أهمّ ماعليه العقيدة الوهّابيّة، بوصفها عقيدة تريد بسط سيطرتها، وأفكارها، إنْ بالمال، وإنْ بالقوّة، فهي عقيدة مسيّسة بامتياز، وتتوسّل بثياب الدّين،

فهي تضيف فرقة ذات نموذج خاصّ في التّعامل، عبر تكفير الآخر علناً، لتفتح علينا أبواباً جديدة، ماعرفناها في تاريخ العدد الكبيرمن الفرق التي ذكرها الذين اهتمّوا بذلك الأفق، وهي فرق بعضها مازال موجوداً، ومنها ماانقرض، وإذا كان يعني الباحثَ المتخصّص أمر تلك الفرق، فإنّ هدفنا هو استقصاء انعكاس هذه العقيدة الوهّابيّة التّكفيريّة على حياة النّاس، في المحيطين العربي والإسلامي، ومدى تأثيرها فيما حولها، ومقدار سلبيّتها، ولولا هذا الحضور السياسي المستخدَم على ساحة الأحداث، لكانت «الوهّابيّة» فرقة، أو مذهباً، من تلك الكثرة الكاثرة الموجودة على أرض الإسلام، أو تلك التي ذكرتْها كتب المؤرّخين، بيد أنّ الأمر أخطر من ذلك بكثير.‏

2‏

يزعم الوهّابيّون التكفيريّون أنّهم وحدهم الإسلام الحقّ، وأنّ كلّ من ليس (وهّابيّاً) فهو كافر، أو مشرك باللّه،، وهنا من المهمّ التّنبّه إلى الفرق الكبير بين أن يكون الآخر (كافراً- مشرِكاً) في التّقييم، ويُترك لربّه، و..أن يُستحَلّ دمه، وماله، وعرضه، واسترقاقه،‏

بهذا تُصبح الوهّابيّة خطراً على المجتمعات التي هي فيها، وتلك التّي حولها، أو ذات التأثير فيها، وقد عرفتْ بلاد نجد والحجاز، والكويت، والأردن، من فتْكهم، وجورهم، وغلظتهم ماعرفتّه، بعضه لم يُدوَّن، وهو اكبر من الذي مازال قائماً في الرّوايات الشّفهيّة، التي تداولها الأبناء عن الآباء، عن فظاعتهم،‏

في مثل هذه الحالة من التّهديد، أو الفعل الذي يعتمد على التّدمير، والتّخريب، لا بدّ من مجابهة حمَلَة ذلك الفكر على ساحتي: الأرض حيث ينتشر القتَلَة التّكفيريّون، و..على أرض الفكر والعقيدة، حيث يعشّش التّبشير، لاسيّما وأنّ هذه الجماعة تزعم أنّها وحدها المسلمة، ولو اقتصر الأمر على تكفير مَن ليس وهّابيّاً، لقلنا إنّ شأنهم في هذا شأن مَن قد يُشبههم، من الذين يزعمون أنهم وحدهم الفرقة النّاجية، ولتركْنا الأمر للّه الذي يحكم فيه بين عباده في يوم الفصْل،غير أنّ الأمر أخطر من ذلك بكثير، لأنّهم تحوّلوا باسم الدّين، إلى قوّة تتدخّل في شؤون المجتمعات الأخرى، لتضعها على خطّ السياسات المرتبطة بعواصم الغرب الاستعماري، وإذا كان (الصّغار) لايعرفون شيئاً إلاّ أنّهم ( مجاهدون)!! وأنّهم من المشتاقين للتخلّص من أعباء هذه الدّنيا، والذّهاب إلى الجنّة، عبر عمليّة انتحاريّة،.. للفوز بالشباب الدّائم، وبنعيم الحور والولدان السّرمديّ، وقد لايكلّفه الأمر، بحسب مازرعوا في قناعته، إلاّ أن يضغط على زرّ التّفجير،.. وإن هي إلاّ لحظات، ويصعد إلى جنان الخُلد..، إذا كان (الصّغار) لايعرفون غير هذا،.. فلدى الكبار معرفة مؤكَّدة بتفصيلات الدّرب الذي يسيرون فيه، فهم في الغرف المغلقة يضعون الخطط مع ضبّاط المخابرات الغربيّة، وبتعاون صهيونيّ، ويعرفون ماذا يريدون، ولذا فلسنا نجد أحداً من تلك القيادات يستعجل الوصول إلى الجنّة،!!‏

أليس من المشروع أن نطرح: لماذا لم يذهب أيّ قائد من قادة التّكفير لتفجير نفسه طلباً للوصول إلى الجنّة، بل يكتفون بتحضير الشباب الغضّ المناسب نفسيّاً لشحنه بتلك المقولات، ولإحاطته بأناس يكرّسون تلك الأفكار، ولعزله، ولإشباعه بأفكار خاصّة، والتّعامل معه تعامل الذّاهب إلى الجنّة فور تفجير نفسه!!، وبعبور هذه اللّحظة سيجد نفسه في علّيّين يستقبله الرّسول الأكرم، ويأخذ بيده إلى قصره الذي أُعِدّ له حيث مالا عين رأت، ولا أذن سمعتْ،!!‏

في السّياق ذاته ثمّة سؤال آخر : لماذا لم تُنفّذ جماعة التّكفير الوهّابيّة أيّ عمليّة ضدّ الصّهاينة في الأرض المحتلّة، وهم الذين وصلوا إلى البُرجين في أمريكا ودمّراهما، - بحسب مايقولون-، وضربوا في أكثر من بلد أوروبي؟!!‏

3‏

سأحاول تلخيص العقيدة الوهّابيّة بما يتناسب مع مقال في صحيفة، إذ ماأظنّ أنّ أهلنا في سوريّة قد عرفوها كلّها، وأستند في ذلك إلى كتاب « فضائح الوهّابيّة» للشيخ فتحي المصري الأزهري، وهو كتاب لم يرد فيه اسم الدّار الطّابعة، ولا تاريخ الطّباعة.‏

الوهّابيّة تحكم بالكفر على كلّ مَن ليس وهّابيّاً، وتقول من النّاحية العقديّة بالتّجسيم والتّشبيه، وهي مقولة قالت بها بعض الفرق الإسلاميّة قديماً، وسمّوهم الحَشْويّة، أو المُجسِّمة، فهم يرون أنّ اللّه سبحانه وتعالى ( جسم- صورة) وله وجه، وعينان، ويد، ويُرى، ويُجالَس، وبحسب قول أحد القدماء من المجسّمة إنّه» لَيُرى، ويُقبَّل، وتُشمّ رائحته»!!،فالوهّابيّة لايتأوّلون، كأن تكون اليد تعبيراً عن القوّة، بل يأخذون ظاهر النصّ القرآني، وهو عزّ وجلّ منفصل عن العالم، وأنّ العالم أزليّ، أي غير حادث، ويكفّرون من يتوسّل بالأنبياء والصّالحين، وترى أنّ أبا جهل وأبا لهب أكثر توحيداً، وأخلص إيماناً من المسلمين الذي يتوسّلون إلى اللّه بالأنبياء والصّالحين، وإذا كانت الوهّابيّة تحكم بكفر أهل السنّة والجماعة، فهي لم توفّر أصحاب الطّرق الصوفيّة الإسلاميّة فاتّهمتْها بالشّرك، وينفون الكرامات عن أولياء اللّه،ويقولون عن (الأزهر) إنّه يخرّج عاهات، ويستبيحون دم مَن صلى على النبي(ص) جهراً بعد الأذان، ويعتبرونه أشدّ من الزّنى،!! وقد أُتيَ لمحمد بن عبد الوهاب برجل مؤذّن صلى على النبيّ بعد الآذان فأمر بقتله، ويرون أنّ طلب الحاجات من الأنبياء والأولياء شرك،ويرون شدّ الرّحال لزيارة قبر النّبيّ سفََر معصية، ومثله قبور الأولياء، وأنّ التّمسّح بأبواب قبور الصالحين، وشبابيكها هو الشّرك الأكبر، ويحرّمون الاحتفال بعيد المولد النّبوي، أو إقامة الموالد،ويرون أنّ قصيدة البرْدة للبوصيري التي مدح فيها الرسول(ص) جمعتْ كلّ شيء إلاّ الإيمان، ومن الحرام زيارة القبور في العيدين، أو أن يٌُقال في تشييع الجنازة «وحّدوا اللّه»،كما يحرّمون نصب الشّوادر لقراءة القرآن، وأن يقول قارئ القرآن في ختام التّلاوة صدق اللّه العظيم، ومثله إهداء الثواب بقراءة القرآن، وكذلك تلقين الميت،، ولايُشرع حمل الجنازة في السيارة، أو أن يوصي إنسان أن يُدفن في مكان ما، ومثله مَن أراد أن يصلّي أو يصوم وقال بلسانه نويت أن أصلّي أو نويت أن أصوم، ومن قالها يُعذَّب بالنّار، وحرام مصافحة المصلّين بعد انتهاء الصّلاة، وليلة نصف شعبان يحرّمون قيام ليلها، وصيام نهارها،وكذلك حمْل السّبحة لذكر اللّه، ورفع الأيدي في الدعاء عقب الصّلاة وتأمين المأموم، أي أن يقول (آمين)، وتمنع أن يُقال في التّشهّد (السلام عليك أيّها النبيّ) بل يقول( السّلام على النبيّ)، ويرون خروج المرأة إلى العمل ضرباً من ضروب الزّنى، ويحرّمون كشف الوجه واليدين لها لغير زوج أو محرم، ويرون قفل باب تعليم النّساء للذّكور ولو في المرحلة الإبتدائيّة، وأجازوا طواف المرأة الحائض، ويقول ابن باز وهو أحد أئمّتهم المعدودين : « مَن يقول إنّ الأرض تدور يجب قتله»، وتحرّم السفر إلى بلاد الكفّار، ويصحّح هذا المفهوم ابن باز فيقول» والصّواب أنّه لايجوز السّفر إلى بلاد الكفّار للتّعلّم إلاّ عند الضّرورة القصوى، بشرط أن يكون ذا علم وبصيرة يريد الدّعوة إلى اللّه والتّوجيه إليه، هذا أمر مُستثنى»،فهل ينطبق هذا على جميع الذين يسافرون من أهل نجد والحجاز إلى بلاد الكفّار؟!!‏

تلك هي معظم الرؤى في العقيدة الوهّابيّة، وهي في مجملها تُخالف ماعليه المذاهب الإسلاميّة، وهي مذاهب اعتمدت على النصّ القرآني، وعلى سنّة رسول اللّه، أمّا الوهّابيّة فقد استندت إلى ماجاء به ابن عبد الوهاب، مستنداً إلى أقوال ابن تيميّة، وابن قيّم الجوزيّة ، ولو أنّها ظلّت مجرّد آراء لَقلنا ذلك رأيهم، أمّا حين تُصبح دعوة لحمل السّلاح، والقتل، وتخريب المجتمع، فإنّ هذا يضعنا أمام مسؤوليّات فضح هذه الرؤى، والتّصدي لها، ولاسيّما أنّ للوهّابيّة موقفاً (عمليّاً) من الصهيونيّة، ولكلّ موقف عمليّ موقف نظريّ، وهو ماسنعود إليه، في موقفهم من الصهيونيّة، ...‏

aaalnaem@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية