|
كتب وما كان لها من بصمات لم يمحها الدهر على مدى طول حقبته وعرضه..
قد عاشت في عصر ليس هو أخفّ رهبة من سواه، إذ كان لا يخلو من قلاقل السّياسة والإرادة داخلياً، ولم يكن نظيفاً من الأخطار والأهوال خارجياً.. فعصر ابن زائدة يقع ما بين مرحلتين خطيرتين، الأولى: نهاية الدولة الأموية حيث ضعفها ووهنها ومن ثم سقوطها. والثانية بداية الدولة العباسيّة حيث الدعوة إليها وبدء نشوئها وتكونها ومن ثم قيامها.. وإذا كان عمر معن بن زائدة على تقديرنا حوالي السّبعين عاماً، علماً أن ولادته مجهولة التاريخ. وهو قد اغتيل عام (151هـ أو 152هـ) فإنَّ ولادته كانت في زمن عبد الملك المرواني أو ابنه الوليد. وهو زمن هبوب الرياح القويَّة حرباً وفتناً وكذلك الفتوحات الإسلاميّة، حيث كانت في أوج عنفوانها، إذ تزحف جحافل جيش قتيبة بن مسلم الباهلي نحو الشمال، والشمال الشرقي، وتولّيه لخراسان. وتزحف مواكب جيش الثقفي نحو الشَّرق وأقصاه. وحيث بلاد الروم يشرع في فتحها على يديّ مسلمة بن عبد الملك إلى أن حاصر القسطنطينية حصاراً يتحدّث به التاريخ. إن طفولة معن بن زائدة ابتهجت عيناها بالفتوحات والانتصارات في مشارق الأرض ومغاربها وفي شمالها وجنوبها، ولكنها عاينت أيضاً وفاةَ الوليد، وتولية القادة، وخلافةَ سليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، وهشام بن عبد الملك، إذ رأى إبان طفولته شدَّة بأس الخليفتين الماجدين الأخوين: الوليد وسليمان، واشتمّ في يفاعه رياحين عدل ابن عبد العزيز وانتشار عبيرها في ربوع الدّولة العربية الإسلاميّة. كما وشاهد من هشام بن عبد الملك نقله لعاصمة الأمويين من دمشق إلى الرُّصافة وكيف كان يكنز الأموال في خزانتها ويمسك عن الجود بها من باب الحرص على أموال الدولة.. ولمّا دخل عمر بن زائدة في ريعان الشباب، بدأت الدولة الأمويّة ينخر في عظامها سوس الضعف، وآفة الوهن، وفي هذا الوقت ينبغي أن نطّلع على لمحة تاريخية، التي لا بد منها لكي تنجلي لنا الصورة الحقيقية عن الشخصيّة التاريخية التي بصدد التعرّف عليها.. بقلم : الدكتور سليم شبعانية – الكتاب الالكتروني –الهيئة العامة السورية للكتاب |
|