تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نظرة بانورامية على المسارح في سورية

كتب
الأربعاء 27-6-2012
يقول أحد المؤرخين (إن الشعب الذي يكون فكرة صحيحة عن ماضي بلاده يمكنه بدوره أن يصنع صورة مستقبلها.

سكن الإنسان في سورية منذ مليون عام خلت حتى وقتنا الحاضر دون أي انقطاع وفي الألف العاشر قبل الميلاد بدأ بتشكيل وبناء قراه. وظهرت أول تنظيماته الاجتماعية والاقتصادية ثم زرع ودجّن حتى تطورت هذه القرى إلى مدن فظهرت الممالك مثل ماري، ايبلا، تل بيدر، أوغاريت، تدمر، بصرى، أفاميا، المدن المنسية وغيرها، قدمت لنا المعطيات الأثرية معلومات عمقت معارفنا بالتاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني والفني الذي أبدعه الإنسان السوري عبر العصور وخاصة الفكر الفلسفي والحقوقي والفني والكتابي والاقتصادي لذلك اعتبر العلماء سورية مهداً للحضارات وأرضاً للديانات وقبلة للعلماء كونها قدمت هدايا حضارية ثمينة للبشرية في مقدمتها الأبجدية وأعاجيب المدن والأديرة والكنائس والجوامع والمسارح لذلك قال عنها العالم الفرنسي أندريه بارو‏

لكل إنسان متمدن وطنان: وطنه الأصلي وسورية).‏

اشتهرت سورية بفن بناء المسارح في الفترة الرومانية وكانت عادة تبنى على الهضاب الصخرية المرتفعة وتعتبر مسارحنا أنموذجاً فريداً للعمارة المتميزة كونها كانت ومازالت محافظة على حالها بسبب قوة تصاميم هندستها وإنشائها ومن أشهر هذه المسارح مسرح تدمر وأفاميا وشهبا وبصرى وجبلة ولم يكتف الفنان السوري بذلك بل ظهرت له خصائص منها فن النحت والزخرفة إلى جانب العمارة في تزيين المدن والمسارح وإعطائها صفة جمالية متنوعة ومتداخلة جعلت من هذه المسارح لوحة أخاذة أمام الاختصاصيين والباحثين والهواة ومظهراً من مظاهر التطور الثقافي والسياحي.‏

في القرن التاسع عشر أتى بعض الرحالة على وصف مسارح سورية بدرجات متفاوتة الدقة والصحة ومن هؤلاء براهارت ثم قام بوتللا وبعثة جامعة برنستون في عام 1904 بجمع معلومات عن هذه الأماكن إضافة إلى بعثة في مسرح تدمر وبدأت هذه المسارح تظهر للعيان ومنها مسرح شهبا، كذلك تم كشف مسرح أفاميا عام 1938 ثم شرعت مديرية الآثار منذ عام 1946 بكشف مسارح بصرى وجبلة وتدمر.‏

هذه المسارح تحتاج كغيرها من المواقع والأوابد إلى توظيف وتأهيل وفق استراتيجية واضحة لصناعة سياحية ثقافية متنوعة.‏

مسرح بصرى‏

تقع مدينة بصرى على بعد مئة كيلو متر جنوب مدينة دمشق وأكدت المعطيات الأثرية أن هذه المدينة لعبت دوراً سياسياً واقتصادياً ودينياً ما ساهم في شهرتها.‏

في العصر البيزنطي أصبحت بصرى مركز أسقفية وبينت فيها الكنائس والكاثدرائيات.. وشهدت ازدهاراً في العصر الأيوبي لكن مايميزها الآن مسرحها الشهير الذي يعتبر درة المسارح العالمية.‏

يعود تاريخ بناء المسرح إلى النصف الأول من القرن الثاني للميلاد في فترة الامبراطور تراجان، وقد نفذ دفعة واحدة على قاعدة منبسطة وكان لأعيان بصرى وأثريائها مساهمة في بناء المسرح من خلال التبرعات وكانت بعض مقاعد المسرح المتميزة التي لها مسند من الخلف مخصصة لجلوس هؤلاء الأشخاص وقد تم احصاء سبعة عشر مقعداً تحمل كتابات لاتينية.‏

لأسماء تلك الشخصيات يبلغ قطر المسرح نحو 102 م تم تقسيم هيكل المسرح تنظيمياً إلى ثلاث طبقات حسب طبقات المجتمع تتجلى عبقرية الهندسة الرومانية بمسرح بصرى في ثلاثة أمور: عملية إفراغ المسرح دون حدوث ازدحام حيث يمكن افراغ المسرح من المتفرجين البالغ عددهم 15000 متفرج بمدة زمنية تقدر بـ15 دقيقة وذلك من خلال الأبراج الشعاعية الموزعة في طبقات المسرح والمؤدية إلى خارج المسرح.‏

تقنية انتشار الصوت وسماعه في أي نقطة من المسرح.‏

تزويد المسرح بأقنية صرف مياه المطر‏

تم بناء المسرح بواسطة حجر البازلت الذي انفردت به المنطقة الجنوبية في سورية كما تم تزيين واجهة المنصة بالأعمال الكلسية ذات التيجان الكورنتية التي كانت في الفترة الرومانية عبارة عن ثلاث طبقات وإكساء الواجهة بالرخام المستورد ووجود كوات في الواجهة مخصصة لوضع تماثيل آلهة الفنون الرومانية.‏

في الفترة الإسلامية استغل المسلمون الشكل الدائري للمسرح ببناء أحد عشر برجاً دفاعياً خارجياً وفي عام 1224م بني على ساحة الأوركسترا ضمن المسرح خزان مياه لتخزين كمية مياه تكفي في حال حصار القلعة لمدة سنة كاملة وتم الاستفادة من المنطقة الواقعة بين جدران المنصة وجدران الخزان أي مكان خشبة المسرح كمسجد للقلعة وتمت الاستفادة أيضاً من مدخل المنصة المركزي ليكون مدخلاً للمسجد أما الردهة الشرقية فقد استغلت لبناء الحمامات الفاخرة وتزويدها بالمياه وبناء بحرات مزينة بالفسيفساء الغنية برسوم الأسماك و؟ وقد تم ازالتها أثناء أعمال الكشف عن المسرح فيما بعد.‏

وفي عام 1228م تم بناء قاعة كبرى فوق خزان المياه على شكل مستطيل وفي عام 1232م أنشى طابق ثالث فوق الكتلة البنائية التي تتوسط المسرح بحيث استخدمت كمخزن للسلاح وألحق بها في عام 1243م بناء آخر لتخزين المواد الزراعية والمواد الغذائية.‏

لقد تم البدء بالكشف عن المسرح اعتباراً من عام 1947م وتمت إزالة جميع المباني سابقة الذكر التي كانت تغطي المسرح.‏

إن ظاهرة المزاوجة بين القلعة الاسلامية كحصن دفاعي والمسرح الروماني ذي الوظيفة الترفيهية جعل من هذا الصرح ظاهرة فريدة على مستوى العالم فكان أحد المعايير لتسجيل مدينة بصرى على لائحة التراث العالمي.‏

ومسارح أخرى‏

ومن أبرز المسارح التي تزين سورية مسرح تدمر. يقع مسرح تدمر الأثري في الجهة الجنوبية من الشارع الطويل في نقطة بين المصلبة وقوس النصر، كان المدرج يستخدم كمسرح وحلبة مصارعة وأغلب الظن أن بناءه يعود للقرن الثاني الميلادي، ومسرح جبلة الذي يقع وسط مدينة جبلة الحديثة في الجهة الشرقية من المدينة القديمة وذلك بجوار السور الروماني كما هو الحال في موقع مسرحي بصرى وجرش.‏

يرجع بعض المؤرخين تاريخ بنائه لعهد الامبراطور جوستيان لكن من خلال الدراسة المعمارية لمسقطه وزخارفه الهندسية يمكن أن نرجع تاريخ بنائه إلى القرن الثاني الميلادي.‏

ومسرح النبي هوري (سيروس) أكثر المسارح أهمية يعتبر ثاني أكبر المسارح في سورية بعد مسرح أفاميا ويعود تاريخه إلى القرن الثاني الميلادي ويتألف من ثلاثة طوابق لم يبق منها إلا الطابق الأول بحالة جيدة وهو مبني على المنحدر الطبيعي وكان للمسرح واجهة مرتفعة من جهة الشرق.‏

الكتاب تأليف بسام جاموس - صادر عن المديرية العامة للآثار‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية