تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مـــن صحـــــائف بلقـــــيس

منوعات
الاربعاء19-8-2009م
سهيل إبراهيم

لا أدري من وصم اليمن بتهمة السعادة ذات يوم، وخلع على جباله ووديانه وسواحله تلك الحلة غير المستحبة في حياة العرب،

فسماه اليمن السعيد ، هي صحائف منسية من التاريخ البعيد دونتها بلقيس ملكة سبأ ورمتها في مياه سد مأرب ،فعثر عليها اللاحقون فيما بعد وتناوبوا على قراءتها في ليالي السمر جيلاً بعد جيل سفراً مضيئاً من الماضي حسبوا انه يعصمهم من عثرات الحاضر وظلمة المستقبل في قابل الأيام .‏

منذ ان استفاق وعينا على حاضر العرب في منتصف القرن الماضي ونحن نبحث عن نبض السعادة في الديار اليمنية فلا نعثر على أثر له ، ففي الشمال كانت القبيلة تحت عمامة الامام محمد البدر تربط اليمنيين بصخرة العصور الوسطى، تخلفاً واحتراباً وجوعاً ،وكأن شمس القرن العشرين لم تشرق بعد على جبال تلك البلاد المختبئة بغلالات القات على سواحل البحر الأحمر ،وفي الجنوب كانت العصا الغليظة البريطانية تلسع ظهور اليمنيين كعبيد إسبارطة ، في حقبة استعمارية سوداء تحولت فيها عدن الى ميناء تبحر منه وإليه مصالح الامبراطورية العظمى، وقتذاك في ممر استراتيجي تكاد تتعانق حوله شواطئ قارتين وهما الأغنى بالثروات الطبيعية .‏

حين أفاق اليمنيون على نداء حركة التحرر العربي والصحوة القومية التي هبت رياحها من مصر وسورية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي أبصرنا في جنوب اليمن وشماله موجاً هادراً كاد يشبه المعجزة، حيث انتفضت المؤسسة القبلية على تاج الإمامة في الشمال ورفعت أعلام الجمهورية ، وتحملت آلام المخاض سنوات عدة، حتى اطمأنت الى عافية مولودها الجديد الذي فتح عينيه على النور وانتظم في ركب الصحوة القومية التي كانت تنشر رسائلها في فضاء العرب كيفما اتجهت الرياح!‏

في الجنوب كانت الجبهة القومية قد تمرست بقتال الانكليز، وشرعت في تفكيك احداث روايته التي وصلت الى نهايتها ، فاعترض الشباب القومي في عدن سفن المصالح البريطانية العابرة للبحار والمحيطات من بوابة الشاطئ اليمني وإليه، في لحظة فارقة في التاريخ فرضت على الامبراطورية العظمى أن تحمل عصاها وترحل بعد أن مالت شمسها نحو المغيب!‏

قلنا يومها إن اليمن صحا ، وخطا خطاه الأولى لاسترجاع سعادته المدونة في صحائف التاريخ ، وحين توحد الشمال والجنوب ، ورفرف علم الوحدة في سماء صنعاء واكتمل المشهد الذي لاحت تباشيره قبل عقود في شعاب اليمن الخضراء ، وحينذاك توهمنا أننا عثرنا على اليمن السعيد ، وصدقنا صحائف بلقيس وحكايات السمر التي سهر عليها اليمنيون قرونا عديدة!‏

وها نحن اليوم نستيقظ من أوهامنا ونسترجع فواجعنا وترتجف قلوبنا خوفاً على اليمن ، فالحكاية توشك أن تتنصل من وقائعها ، وسعادة اليمنيين التي سبحت خيالاتنا في جنتها نراها اليوم تحترق في جبال صعدة وتنشر دخانها في الوهاد والوديان، ونراها اليوم تدق نواقيس الخطر على طرقات الجنوب في حراك مبهم لم يفصح عن معانيه الصريحة بعد !‏

ماذا في اليمن؟؟‏

أهي ارتدادات الفتن المتنقلة في وطننا العربي الكبير على يد الغازي الأمريكي الذي اقتحم سياج أمتنا الواهي ، وزرع في العراق بذور نبات شيطاني ، يطلع اليوم في تراب اليمن ؟ أهي التفاصيل الجارحة في قصة ماصار يعرف اليوم بتقسيم المُقسّم في أمة شطبت من علم الرياضيات صيغة الجمع ولم تعد تعرف سوى القسمة ؟! أهي الإرهاصات الساطعة لجنون إقليمي على وشك أن يطيح بكل ركائز أمن الخليج، ، أهي اللعبة الخطرة الدائرة فوق رؤوسنا منذ عقود ، طلباً لرؤوسنا ونحن نغط في نوم عميق !؟ أم العلة فينا ، ببلادة عقولنا ومنهجنا السياسي وتنكرنا للمصلحة القومية واجترارنا لآليات حكم لم تعد تصلح إلا لقطعان الماشية ! قولوا لنا أين تكمن العلة ، فنحن في أحداق الخطر ، وقلوبنا ترتجف اليوم خوفاً على اليمن السعيد!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية