تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«قــــريب جــــداً»..صـــورة مســـبقة لتـــزييف الــــواقع

فضائيات
الأربعاء 19-8-2009م
لميس علي

مهارة في (الشربكة)..وشطارة في (الشقلبة)..انه يتمتع بحيوية فائقة في مجال استعراض (أكروباته)

لكنها ليست من النوع الحركي لأعضاء الجسد،إنها أكروباته الحوارية،حيث الشط والمط،حتى حدود الشطط،في اجتراح نوع من الإثارة،كما يخال ويحسب،هي إذاً شربكة الأمور والقضايا وشقلبتها رأسا على عقب.‏

يغوص جوزيف عيساوي دائما في مناطق يعتقد أنها بؤرة غنية لمجال اصطياده العكر في شؤون البلاد العربية..موهما من حوله ومتوهما هو نفسه قبلا أنه يحقق نصرا،وما نصره إلا نوع من قلب الطاولة على رؤوس من حوله،وضيوفه أولهم.‏

في حلقة برنامجه الأخيرة يقتنص موضوعة جذابة براقة،تستقطب آراء واهتمام أهل الفن والإبداع ومن هم من أنصار حرية الرأي والتعبير في مختلف أركان بلداننا...ولكن على مهل –ياشباب-‏

هنا يسرح ويمرح على هواه،ويلعب لعبته على أرض ملعبه المزروع ألغاما خفية..فهل تنبّه أولئك الضيوف في أي أرض مفخخة يهيمون..؟‏

العنوان الجذاب الذي يختاره لحلقته الأخيرة هو(سينما الأندر جراوند-العالم السفلي)وضالته التي يعثر عليها هي منع مشاهد جنسية من فيلم النجدة إخراج اللبناني مارك أبي راشد،ضيفه،مع المخرج المغربي العزيز السالمي،صاحب فيلم حجاب الحب،الذي تعرض أيضا للمنع بداية بسبب سلطة الرقيب،ومداخلات لكل من الأب عيد أبو كسم،مدير المركزالكاثوليكي للإعلام،والمخرج المصري خالد يوسف،وكل سيدلو بدلوه،في موضوع الرقابة دورها،أنواعها،بالإضافة إلى ذكر رقابة مجتمعية ودينية،قد تكون أكثر أهمية من تلك الرسمية.‏

الموضوع..كما تلاحظون،مثير ..وفيه الكثير من العزف على حبائل الممنوع التي يتقن العيساوي التنغيم عليها،التقاطها،تسليط أضوائه الكاشفة عليها،تكبيرها والتكبير برؤوس أولئك الضيوف،المظاليم المساكين...‏

معه،تختصر كل مشكلاتنا وقضايانا إلى لقطة مثيرة جنسية،تحذف ..!وتقزّم كل همومنا لمجرد مناقشة إمكانية إظهار المثليين!في سينمانا..‏

على هذا المنوال يمضي العيساوي،منصبا نفسه مدافعا عن حرية وديمقراطية مسفوحة هدرا في عالم الشرق..وكأنه يريد لنا التقاط فتافيت حرية على مقاس داعمي قناته،وبقايا ديمقراطية لايحيا بنعيمها إلا من أعلى الصوت بحمد ذكر مولاه المتأمرك..‏

وبغض النظر عن موقفنا عن موضوعة الرقابة وسلطة الرقيب،وأهمية قولبة هذه السلطة لما يتناسب مع تطورات العصر..‏

نتساءل ..هل تحررت سينما الغرب(هوليوود مثالها)من كل رقابة ..ألا تمر الكثير من الأفلام هناك على آلة تدجين تخرجها وفقا لما فيه المصلحة الأمريكية العليا..وان تحرروا من مسمى الرقابة ألا يوجد لديهم ما هو أخطر وأخبث وأدق رقبة ..ألا يتم توجيه عشرات إن لم نقل المئات من أفلامهم التي ترصد لها ميزانيات خيالية تبث خلالها مقولة،فكرة،توجه معين،يشوه صورة الغير-الآخر-(وهي بالضرورة هنا كما نشاهد ونلاحظ صورة العربي).‏

ثم لماذا لايتنطح الجهبذ جوزيف ويناقش ماهو الأخطر واللاإنساني...حذف ثوان من فيلم عربي،أم تشويه صورة شعب بحاله؟وتلفيق قصص عنه،لم يسمع بها أحد سوى الخيال الأمريكي،عبر رسم صورة سينمائية مؤدلجة وفق غايات العم سام،تطيح بالحقائق وتزيّف الوقائع.‏

ويبقى الشيء الذي يخلق الدهشة أكثر من الأكروبات الحوارية (الفالصو)للعيساوي التي لاتحقق قيمة تذكر ..دهشة مقترنة بعلامة استفهام(وازنة)..هو تلطي أولئك الضيوف وراء الغريب وصولا لغاياتهم وإدراكا لما يتوهمون أنه هدفهم الأكبر.‏

والحقيقة أن أولئك يجعلون من أنفسهم (ضحايا) للعيساوي،هم ضحايا عندما يكونون على أرض ليست أرضهم وعلى ساحة ليست ساحتهم..ألا يدركون أن أصواتهم مهما ارتفعت على حلبات الحوار الفارغة تلك تبقى أصواتا مكبوتة،مبحوحة ومقموعة،ولن يستعيدوها ويعلو مداها إلا على ساحة بلادهم وفقط!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية