تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نتنياهو.. سياسة الكذب والخداع وكسب الوقت

شؤون سياسية
الأربعاء 19-8-2009م
علي سواحة

مع كل يوم يمر فيه على تسلم بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة الاسرائيلية تزداد القناعة لدى الاسرائيليين وغير الاسرائيليين بتبخر وعوده ولاسيما لدى الناخب الاسرائيلي الذي منحه صوته الانتخابي باستثناء وعد قطعه لهم بالتزامه بيهودية اسرائيل خلال فترة وجيزة.

فالذين صدقوا وعود نتنياهو الانتخابية من داخل اسرائيل هاهم اليوم يعيشون خيبة أمل كما تقول الوقائع ولاسيما بشأن وعوده لتحسين الحال الاقتصادية، إذ إنه سرعان ماتنكر لها من أجل تخليص الاقتصاد الاسرائيلي من ركوده السابق بعد أن ألقى مبدأ كبح الموازنة العامة إلى سلة المهملات بتأليفه حكومة موسعة تضم وزراء كثيرين لا لزوم لهم، جاءت على خلفية اتفاقيات عقدها نتنياهو من تحت الطاولة مع الحزبين المتدينين المتشددين /شاس ويهود هاتوراه/ والتي تضمنت أيضاً زيادة المخصصات المالية للتعليم الديني اليهودي. والحال كذلك عندما عقد اتفاق مع حزب العمل بشأن الحفاظ على الموازنة الأمنية الكبيرة التي رصدها نتنياهو، وهو الذي يعلم بأن بنودها ستأتي بالطبع من بنود صرف الموازنة العامة لزيادة الضرائب على الاسرائيليين، وهذا ما حصل على أرض الواقع اليوم، وهو ما أشارت إليه بوضوح صحيفة هآرتس الاسرائيلية في أكثر من ملحق اقتصادي لها تناولت فيه عبء الضرائب التي تثقل كاهل الجمهور الاسرائيلي التي زادت مدفوعاته لموازنة الدولة بأكثر من عشرة بلايين شيكل سنوياً عن مدفوعاته في ظل حكومة ايهود أولمرت السابقة، إضافة إلى فرض حكومة نتنياهو ضرائب جديدة لم تكن في السابق على الوقود والسجائر والخدمات الصحية وغيرها ما زاد الأمر عبئاً إضافياً على كاهل الإسرائيليين.‏

ولعل أكثر من مركز اقتصادي واجتماعي في اسرائيل رأى أن رئيس حكومة نتنياهو يدرك بصورة مؤكدة أن الاسرائيليين سيدفعون الكثير مقابل الخدمات الحكومية وأن الفئات دون الوسط من الإسرائيليين سيكونون الأكثر تضرراً نتيجة للسياسة الضريبية الجديدة لحكومة نتنياهو ولذلك تقول هذه المراكز البحثية الاسرائيلية إن تنكر نتنياهو لوعوده للناخب الاسرائيلي ماقبل الانتخابات هي من أجل أن يبقى في سدة الحكم ،وبالتالي هي خداع بخداع لذاك الناخب الذي يدفع اليوم ثمن هذا الخداع الذي يمارسه نتنياهو وهو نفسه الخداع الذي سيجعل الناخب الاسرائيلي من جديد يعيد النظر في ثقته التي منحها لحكومة نتنياهو.‏

كما أن مسلسل الفضائح في تخلي نتنياهو عن وعوده الانتخابية لم يقف عند هذا ، بل إن الفريق المالي الذي يحيط بنتنياهو بدأ هو الآخر يتخلى عنه ويستقيل من منصبه وهاهو رئيس قسم الموازنة في أكثر من وزارة اسرائيلية ولاسيما وزارة المالية قد قدم استقالته بسبب اعتماد نتنياهو لبند خاص لأجل تجميد الأجور في القطاع العام الاسرائيلي على حساب زيادة الموازنة الأمنية كما جاء في تدني مخصصات وزارات التربية والتعليم والتأمين والرفاه والصحة والبنى التحتية والصناعة والزراعة محصلة أكيدة لتراجع نتنياهو عن وعوده السابقة رغم زيادته للضرائب على الاسرائيليين.‏

ومثل هذا الوضع دفع بالإسرائيليين لمواجهة تلك الاجراءات التقشفية لحكومة نتنياهو وعلى رأسهم وزير الحرب ايهود باراك وكبار ضباطه الذين رأوا أيضاً أن نصيب موازنة وزارتهم طالها أيضاً التخفيض في زمن نتنياهو، وهو ما أدى إلى فصل آلاف عناصر من الجيش النظامي وتقليص عدد أفراد التشكيلات العسكرية في سلاح الجو والمدرعات وهما الركنان الأساسيان لقوة الجيش الاسرائيلي، وهذا ما يؤدي كما تقول جنرالات اسرائيل إلى تراجع قدرة الجيش في مواجهة حرب ثانية مع حزب الله وبالتالي تزايد الأخطار الاستراتيجية والأمنية على اسرائيل.‏

كما نتج عن هذا الوضع المقلق داخل اسرائيل أن تشكلت لجنة حكومية أطلق عليها اسم (لجنة بروديت) ببلورة خطة بعيدة المدى لموازنة اسرائيل ولفترة تمتد لعشر سنوات قادمة، وتبين لها أن تمويل مواجهة الجيش الاسرائيلي في غزة في الشتاء الماضي كان نوعاً من المغامرة وأقرب إلى التصرف الفردي لنتنياهو، إذ إنه لم يكن هناك أي موازنة طارئة لتمويل تلك المواجهة مع حماس في قطاع غزة وكان نتنياهو يرى أن الجيش وحده مطالب بتمويل تكاليف العملية التي أطلق عليها عملية الرصاص المسكوب.‏

وهذا ما أدخل فعلاً القوات الاسرائيلية المهاجمة في حالة فوضى إدارية، ناهيك عن الفوضى التي حلت بها نتيجة للخسائر التي منيت بها والتي لم تكن تتوقعها أمام ضربات المقاومة الفلسطينية في القطاع.‏

كذلك أدت هذه السياسة لحكومة نتنياهو في تراجعها وتخليها عن الوعود التي قدمتها للاسرائيليين إلا أن الخبراء الأمنيين الاسرائيليين يحذرون اليوم من أن هذه الحالة المربكة للجيش الاسرائيلي على وجه التحديد تتطلب إعادة النظر وبسرعة في معالجة الفجوات الهائلة التي تعشش بين قطع الجيش ، ويرى رئيس برنامج الدراسات والتدريب العسكرية /غابريئيل سيفوني/ ورئيس معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب أن الجاهزية للجيش الاسرائيلي تستدعي اليوم تعاملاً خاصاً باعتبار أن الأمن الاسرائيلي هو العنصر الأساسي الأكبر الذي يتعين على المسؤولين الاسرائيليين أن ينتبهوا له اليوم بعد حربي عام 2006 مع حزب الله وحملة شتاء غزة العام الماضي.‏

ويضيف الخبير الاسرائيلي سيفوني بقوله: إن الجيش الاسرائيلي يعيش اليوم في خضم أوضاع سيكون من الصعب عليه تحت وطأتها أن يقدم ماهو مطلوب منه ولاسيما حيال الدفاع عن أمن اسرائيل إذا لم تعادله مقومات قدرته للدفاع عن هذا الهدف الذي يشغل بال كل اسرائيلي.‏

إنها اسرائيل المبنية دائماً على الخداع حتى على مواطنيها وعلى مؤسساتها التي توفر لها أدنى حدود مقومات أمنها الذي يواجه التقهقر تلو التقهقر مع تنامي قدرات المقاومة العربية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية