|
شؤون سياسية ولايخفف من وطأة هذا الاستنتاج وجود (هيام) سياسي وضجيج إعلامي بل إن ذلك قد يشكل فاصلة أخرى للتركيز على هذه الإشكالية الكبرى في التعامل العربي عموماً مع القضايا الحيوية وأنا أعتقد أن هذه الآلية في افتراق الموقف الراهن عن الحقائق إنما تتحول الآن وبصورة متدرجة إلى منهجية متعسفة متكلسة بحيث يكون الظاهر هو ضجيج الانتماء لهذه القضايا في حين يكون المضمون هوإضعاف هذه القضايا أو تجاهلها أو العداء لها عربياً بقصد أو بغير قصد لافرق في ذلك، وبهذا المنطق فقد نكون مدعوين للإحصاء الأول لهذه القضايا على الأقل حتى لاتبقى المسألة في مناخ التعويم أو الادعاء العام وعندي أن هذه القضايا تتوزع في العناوين الأربعة التالية: 1- قضايا النزوع الحضاري والدوافع المصيرية ومنها الإيمان بوحدة هذه الأمة ودورها التاريخي المستمر ورسالتها المعاصرة وكيانها الموحد الذي يدل على وجود الأمة سياسياً وإدارياً، وبالتأكيد فإن ذلك ليس نزوعاً رومانسياً كما يروج البعض تمهيداً لإلغاء تاريخ الأمة وذاكرتها وانتقالاً مشبوهاً بعد ذلك لسحب مقومات وحدة الأمة من التداول والانكفاء السلس نحو القطرية والطائفية والمذهبية والعشائرية، أي إلغاء حقائق الأمة والعمل بموجبات التفتيت وضياع الهوية والاستسلام للأمر الواقع، ومن الملاحظ المفجع هنا غياب دور النخب الفكرية والثقافية والصحفية والحزبية، وهذا ما يزكي نزعة التخوف من كل ماهو قادم، إن هذه النخب إما أنها سلمت بالأمر الواقع كما هو وإما أنها استسلمت للحيثيات القائمة بدوافع شتى بعض منها فكري والبعض الآخر نفسي والبعض الثالث مادي، ولانعلم على وجه البسيطة القديمة أو المعاصرة أن القضايا الكبرى للأمم تم الاستغناء عنها بحجة أن الواقع أقوى وأن الزمن فرض شروطه عبر الآخرين ومشاريعهم، الآن صار الحديث عن القومية العربية، عن الوحدة العربية، عن دور العرب ورسالتهم، عن الشخصية العربية العامة بسماتها صار الحديث عن ذلك صيغة شاذة محاصرة وصار الأمر كله تهمة موجهة لكل من لايزال يحتفظ بالبقية الباقية من أصول ومشاعر الانتماء لهذه الأمة، إنها المفارقة الكبرى أن ندعي العروبة في عناوين هلامية ثم نؤمن لعوامل التدمير والفناء لهذه العروبة (المحاصرة) كل مايلزم لكي تضيع هويتنا، وتضيع معها دوافع وجودنا ومبررات انتمائنا المتحضر لأمة تصارع لمجرد البقاء والاستمرار على قيد الحياة بمستواها البيولوجي على الأقل. 2- والعنوان الثاني المهم لهذه القضايا يتحدد في مجمل الأهداف الكبرى التي يطرحها العرب على أنفسهم أولاً وعلى الآخر ثانياً، وهذه الأهداف مرتبطة بالعناوين الكبرى مشتقة منها، لذا تكاد تضيع أو تتسبب في الحد الأدنى بقدر ماهو حاصل من ضياع أو تسيب في العناوين العليا، وأهدافنا ببساطة هي التوجه نحوبناء الحياة السياسية الموحدة أو المتفاعلة عبر صيغ التضامن العربي أو العمل العربي المشترك وهي كذلك متمثلة بمعرفة الذات العربية بمحتواها البشري والاقتصادي واستثمار مقومات وجود الأمة هذه في بناء الحد الأدنى من المؤسسات والهياكل والفاعليات التي تتصل بوجودنا المشترك وتعبر عن مدى صدق العرب في الوعي على مايملكون وماهم مطالبون به. 3- أما العنوان الثالث وهو ذو طبيعة عملية ضاغطة فهو التمثل بالحقوق العربية، هناك أجزاء مغتصبة محتلة في الوطن العربي، هناك أقطار بكاملها تحت الاحتلال وإذا ما كنا موضوعيين فإن الفرق غير ذي أهمية بين اغتصاب صهيوني واحتلال أميركي وسيطرة اقتصادية وسياسية وحضارية، إن الكتلة العامة للحقوق المغتصبة تبدو مخيفة وكان الأصل في العقل العربي أياً كان مستواه وأياً كان توضعه أن يتجه نحو تعميق وبلورة هذه الحقوق وطرحها على أنها معايير الوجود والكرامة، وعلى كونها مصادر توحيد وتعميق لاكما يجري الآن حيث تتحول هذه الحقوق إلى مجرد وقائع مزمنة وقد أدمن العرب على التفريط بها ثم بكونها قضايا محلية تتبع قانونياً وسياسياً لهذا القطر أوذاك، إن مأساة مايحدث عند الفلسطينيين في الداخل والخارج كافية لكي نصحوعلى هول الكارثة، فالعبث بالحقوق وخلق هويات مستحدثة وعابرة لها هو المقدمة الكبرى لكي تغتصب هذه الحقوق ويكون العرب في ذلك مجرد شهود زور يوقعون على موتهم ولاينسون أن يوزعوا الابتسامات المصطنعة والبيانات العارمة التي اكتوى بنارها كل إنسان عربي. 4- ويبقى العنوان الرابع وهو الذي يحمل الخلاصة في منسوب مشروعية قضايانا وعدالة حقوقنا ومدى صحوتنا على أنفسنا هنا تظهر الحاجة العضوية القصوى لطرح الواقع كما هو بعيداً عن التزييف وبمنأى عن تبديل المعايير والإغراق في المزيد من العبث بوجودنا والاستهانة بالمخاطر القائمة والاحتمالات الأصعب في المستقبل القريب أو البعيد، إنها قضايانا أعني وجودنا الحيوي والمادي والحضاري والتفريط بها على هذا النحو هوالذي يقنع الآخرين بأن العرب قد انفصلوا عن قضاياهم المشتركة وصاروا شعوباً وقبائل على هذا النحو تتقاتل وتتخادع وكل منها نقيض الآخر وعدوه، وصار الغرباء هم أصحاب المبادرة والنخوة يحجزون مابيننا ويحقنون دماءنا المستباحة، وعندما تاهت قضايانا الكبرى، وفي خضم النية الأكبر اخترنا عبر سياساتنا وإعلامنا أن نتغنى بالموت المنتظم وعندها كان الهوان هو العنوان وقد يكون الراهن مراً ومؤلماً، لكن إيقاع الزمن القادم يحمل ماهو أكثر مرارة وإيلاماً. |
|