تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


فكر أصيل ونضال مستمر لبناء الإنسان والوطن

شؤون سياسية
الثلاثاء 8-4-2014
منير الموسى

ترافق تنامي الحس الوطني مع القومي ولم ينفصلا وكانت سمتهما الأساسية الشعور بالهوية العربية وإدراك أن الأجنبي أياً كان لا يمكن أن يكون الضامن لتطلعات الشعب العربي السوري خاصة والشعب العربي في أقطاره الأخرى عامة، ومن هنا بدأ الحراك يتنامى في سورية البلد الحضاري الضاربة عراقته في التاريخ، وفي البلدان العربية التواقة للتحرر من ربقة المحتل العثماني الذي أدخل الأمصار العربية خلال 400 عام في حالة من السكون وعدم الفعل والاضطهاد وإغراقها في الفقر ونهب خيراتها وفي الجهل ليسهل عليه استمرار احتلالها، ولم تكن الدولة العثمانية دولة راعية في يوم من الأيام، وإنما حكمت باسم الدين، وقد عاشت القومية العربية مخاضاً عسيراً لتتبلور بشكل صاعد مع أحداث مفصلية ترافقت مع ضعف الدولة العثمانية وتصاعد حدة الأطماع البريطانية والفرنسية التي تجلت في أكبر عنوان لها عبر اتفاقية سايكس بيكو، وظهور الحركة الصهيونية وإعلان وعد بلفور بإنشاء دولة قومية لليهود في فلسطين التي أرادت بريطانيا وفرنسا أن تشكلا منها قاعدة متقدمة لهما وسنداً لهما في احتلال البلدان العربية على حساب الدولة العثمانية المتهالكة التي لم يكن لديها أي شعور بأي رابطة تجاه الأقطار العربية سوى علاقة المحتل الذي ولى الأدبار ليتقوقع ضمن حدود شوفينيته، وليبرهن عبر قرن من الزمن أن في مكنوناته حقداً على كل ما هو عربي وأن تشدقه بالدين إنما هو نوع من الخديعة، فهي لم تبرهن في يوم من الأيام على أن بينها وبين الأقطار التي انضوت تحت لوائها 400 سنة أي وحدة مصير بل على العكس اتجهت دوماً للتواطؤ مع الاستعمار الغربي ومع الكيان الصهيوني في كل استهدافاتهم للأمة العربية.

وفي المحطات العثمانية العدوانية كان سلخ لواء اسكندرون بالتواطؤ مع فرنسا إبان الحرب العالمي الثانية ثم دخولها في حلف بغداد في عام 1956 وإعلان رئيس وزرائها عدنان مندريس وتهديده باحتلال مدينة حلب وهو الذي أعدم في تركيا فيما بعد، ومع ذلك ظلت تركيا تعيش أضغاث أحلام الإمبراطورية ولم تستطع عبر مئة عام أن تتخلى عن نوازعها المريضة التي برهنت عليها من خلال عدة رؤساء وزارات تواتروا على حكمها وآخرهم رجب طيب أردوغان الذي له باع في كل الخراب الذي يصب الدول العربية هذه الأيام وفي حمايته لنسق المرتزقة الذين جلبهم هو وحكام قطر ليمثلوا الإخوان المسلمين في العدوان على دول المنطقة.‏

هذا بعض من حال الأمة العربية واتجاه القوميين العرب والسوريين قبل تبلور الحس التحرري بشكل منظم للتصدي للأطماع الاستعمارية وإعادة الألق للأمة العربية وتجديد نهضتها.‏

وبدأ مخاض تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي منذ الأربعينيات في أوج التطلع لتجاوز الواقع العربي المرّ، والتحرر من نير الاستعمار فكان الحراك بأيادي المناضلين من صميم شعب مناضل وأمانيه، من فلاح ترك أرضه وحمل البندقية ليطرد المستعمر مع عامل تنكب السلاح من أجل الاستقلال. ليتوج تأسيس البعث عام 1947في ولادة جاءت ثمرة للنضال القومي الذي بدأ منذ بداية القرن العشرين وإكمالاً لمسيرة التحرر ومجابهة تحديات صعبة عصفت بالأمة العربية على امتداد الوطن العربي فولد حزب البعث العربي الاشتراكي ليصوغ منذ البدايات شعاره الخالد «أمة عربية واحدة». وكان للحزب دوره في النضال التحرري القومي عربياً وعالمياً، وحشد الطاقات ضد الإمبريالية والصهيونية والتصدي للمؤامرات والأحلاف الاستعمارية، بدءاً من حلف بغداد ومبدأ أيزنهاور إلى مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طرحته إدارة جورج بوش، وليس انتهاء بمشروع تفتيت البلدان العربي عبر ما سمي الربيع العربي الذي قام على خطة الجيل الرابع من الحروب بالاعتماد على المرتزقة والتكفيريين ومجموعات من الخونة والفاسدين ممن يبيعون دماء شعبهم مقابل المال لتقسيم البلدان العربية.‏

ومسيرة الكفاح والبناء في البعث مستمرة لبناء الإنسان والوطن ودحر أي عدوان واسترجاع كل الأراضي العربية السليبة. والتاريخ النضالي للبعث مملوء بالمآثر منذ بناء أول وحدة عربية بين مصر وسورية في التاريخ الحديث، ثم تفجير ثورتين عربيتين في 8 شباط و8 آذار عام 1963، وتصديه للفكر الصهيوني الذي يهدد الأمة العربية بهويتها، وهم ما تثبته الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة سواء بالحروب المباشرة أو بالوكالة التي تخطط لها الدوائر الاستعمارية عبر الإرهابيين المرتزقة من أجل وضع الأمة العربية في حالة انحطاط وشلل كامل من أجل الإبقاء على المشروع الصهيوني العنصري وسرقة كل مواردها الطبيعية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية