|
مجتمع إلا أن الاثر الاجتماعي هو الذي يمتص بقوة آليات التحول والتغيير وينعكس سلبا أو ايجابا على كثير من مفاصل حياتنا وعملنا، وإذا كانت تأثيرات العولمة هي حديث القرن الحادي والعشرين ولم تنأ من نتائجها أي دولة صغيرة أو كبيرة إلا أن أكثر ما نراه واضحا هو وقعها في عالم العمل حيث أحدثت العولمة وخاصة في الآونة الأخيرة تحولا سريعا في الوظائف والأسواق. وحتى في المجتمعات المحلية، لأنها توجد وظائف جديدة وتلغي أساليب معيشية وأسواقا وصناعات قديمة، وعلى ما يبدو لم تتضح بعد الآثار الاجتماعية المحتملة في البلدان النامية على الأقل ومنها دولنا العربية لكن مزيج البناء والهدم الذي ينطوي عليه النمو يزداد وضوحا مع تسارع العولمة فلا يستبعد أن يكون هناك رابحون وخاسرون في أي مجتمع. ومن المساوىء الاجتماعية الرئيسية التي تفرزها العولمة حسب رأي الدكتور عماد الدين المصبح المستشار الاقتصادي لاتحاد عمال سورية هو اشتداد تفاوت المداخيل، إذ تزداد الأقلية الغنية غنى والأكثرية الفقيرة فقرا إضافة لتهميش غير القادرين على الاستفادة وانتشار الاستهلاك الفاحش لدى أقلية صغيرة، مبينا اشتداد عوامل التوتر والاستبعاد الاجتماعي لغير المهرة وبروز الانقسام الطبقي للمجتمعات وسرعة الأسواق وضعفها في مواجهة القوى الخارجية وأضرارها الاقتصادية . ويشير الدكتور المصبح أنه في أواخر التسعينات من القرن الماضي كان الخمس الغني من سكان العالم يسيطر على 86٪ من الناتج المحلي الاجمالي في العالم و82٪ من الصادرات العالمية و68 ٪ من الاستثمار الاجنبي المباشر مقابل 1٪ فقط من كل من الثلاثة للخمس الأفقر، وفي حال استمرار هذا الاتجاه لا شك أن العولمة سوف تزيد من اتساع الفجوة بين البلدان المعولمة والبلدان الأخرى. ومن النتائج الأخرى للعولمة التي قام بها مستشار اتحاد العمال من خلال أبحاثه ودراساته وفق ما يتصل بها من إعادة الهيكلة هي أن ملايين العمال يتقاضون أجورا مخفضة أو يكرهون على أخذ إجازات لافتا لما نشرته منظمة العمل الدولية في تقرير لها أن حوالي «130000» وظيفة على الأقل فقدت في أوروبا الغربية بسبب أنشطة الدمج التي اضطلع بها في التسعينات. ويتكهن التقرير بفقد 300000 وظيفة بين عامي 1999 و2002 في القطاع المصرفي الأوروبي وحده وهذا نلمسه حاليا بعد مضاعفات الأزمة المالية العالمية الأخيرة بسبب توحيد الأسواق الوطنية ورفع القيود التنظيمية عنها. الى جانب تعاظم فوارق الأجور داخل البلدان والمهن، ولا تقتصر تبعات ذلك على أن البلدان النامية تتكبد خسائر في مجال الاستثمار في الموارد البشرية وإنما تسهم أيضا في جعل المناطق المتقدمة تزداد تقدما على حساب تهميش النامية. انخفاض الانتاجية أما في البلدان العربية والنامية فإن سوق العمل يعاني من انخفاض الانتاجية والأجور وتقلصها ولا سيما في القطاع العام مع تفاقم مشكلة العمالة بتدني الانتاجية، فقد انخفض في النصف الأول من التسعينات معدل الانتاجية في الكويت والأردن وركدت في البحرين وعمان ولم ترتفع إلا في مصر وحسب المؤشرات فإن الانتاجية في مصر وسورية هي أقل من سدسها في كوريا أو الارجنتين على سبيل المثال وأقل من عشرها في بلدان المنطقة الأخرى غير المنتجة للنفط. والأمر الآخر يتمثل في ارتفاع معدلات البطالة حيث تراوحت ما بين 10٪ و19 ٪ في عمان ومصر وسورية والاردن والبحرين ولبنان وارتفعت خلال التسعينات في المنطقة العربية من 12،7 ٪ في عام 1990 لتصل الى 15٪ عام 2000 ، ما يجعل خلق الوظائف الجديدة في المنطقة العربية يتم بمعدل أخفض من معدل نمو السكان، ومن المتوقع أن تواصل الضغوط السكانية إلقاء ثقلها بشدة على أسواق العمل في المنطقة. |
|