تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من ظرفاء دمشق (40).. قــــــدري الحكيــــــــم

ســاخرة
الخميس 21-6-2012
نصر الدين البحرة

كان قدري الحكيم ثالث إخوته الأشقاء: رضا وضياء، وهم من مواليد الثلث الأول من القرن العشرين بين سنتي 1912و 1920، بين أحدهما والآخر زهاء أربعة أعوام، وقد نال رضا شهادة أهلية التعليم الابتدائي، وتخرج في كلية الآداب- قسم اللغة العربية،

أما ضياء فقد راوح في مرحلة التعليم الثانوي.‏‏

عرفت رضا معرفة سطحية، فقد كنت أراه مدير مدرسة معاوية، في جادة البحصة، بجوار جامع يلبغا وقرب ساحة الشهداء«المرجة» ذاك أنني كنت أزور أخي الأكبر مصطفى لأمر ما، فأنتظر في غرفة الأستاذ رضا، ريثما يرن جرس الفرصة.‏‏

هل كانت لرضا اهتمامات أدبية؟‏‏

كانت ملامح رضا لا تخلو من وسامة، لكن نظارتيه كانتا تخيفان جداً، ربما اقتضته وظيفته الإدارية، كما هو شأن الكثير من مديري المدارس ولست أدري ما إن كانت له اهتمامات أدبية، مثل شقيقيه قدري وضياء.‏‏

مدرس العربية الفذ‏‏

وقد عرفت قدري في سنوات الخمسينيات المتوسطة، مدرساً علماً فذاً للغة والأدب العربيين، تتخاطفه ثانويات دمشق، ويفخر بعض الطلاب أنه درسهم في بعض السنين، وأحسب أن براعته في تدريس اللغة العربية، كانت نابعة من عشقه لها، وكانت مبعث هذا العشق، معرفته الشاملة بها عمودياً وأفقياً، وتبحره في قواعد النحو والصرف.‏‏

مع المعجم النحوي.. للحكيم‏‏

عام 1953 أسس الكاتب الكبير الراحل أستاذنا شاكر مصطفى مع نفر من المثقفين داراًَ للنشر دعوها( دار الرواد) وقد أصدرت هذه الدار عدداً من الكتب الموضوعة والمترجمة بينها كتاب عنوانه «المعجم النحوي» وقد ذكر على غلافه أن واضعه هو «أحد مدرسي العربية بدمشق» وقد أخبرني الصديق الراحل الأستاذ نجاة قصاب حسن أن مؤلفه هو قدري الحكيم، كما أنه أهداني نسخة منه، احتفظ ببعض مثيلاتها في مكتبته، فانظر إلى تواضع هذا الرجل قدري الحكيم.‏‏

بحث مرتب حسب الأبجدية‏‏

وتضمن هذا الكتاب بحثاً مرتباً على الحروف الأبجدية يتناول الحروف والأسماء والأفعال، أما الاستشهادات فقد كانت مما يصح الاستشهاد به من القرآن الكريم والشعر، ولا بأس في تقديم مثال من إعراب بعض الكلمات في هذا المعجم.‏‏

بين الكلمات التي أعربها في باب«الألف» كلمة إذا وأهم من ضبطه إعرابها على أنها«ظرف تضمن ومعنى الشرط، مبني على السكون في محل نصب مفعول فيه ظرف زمان أنه لفت النظر إلى أن «إذا» التي تدخل غالباً على الفعل الماضي، تحوله في المعنى إلى المستقبل، وقد تدخل على المضارع واجتمعت الحالتان في بيت واحد.‏‏

والنفس راغبة إذا رغبتها- وإذا ترد إلى قليل تقنع.‏‏

في مديرية التربية‏‏

عرفت قدري الحكيم وجهاً لوجه صيف عام 1957، وقد نقلني وقتها مدير تربية دمشق المربي الكبير بكري قدورة، إلى ديوان الثانوي في مديريته التي كانت تطل على ساحة يوسف العظمة، زارنا وقتها الأستاذ قدري، ونحن في العشر الثاني من شهر رمضان، وأنا مفطر وكنت قد أشعلت سيكارة أو دخينة كما يسميها مصطفى صادق الرافعي، وأعلى دروج الطاولة مفتوح وفيه صحن السيكارة الزجاجي، حتى إذا الباب أودعت السيكارة فيه وأغلقت الدرج.‏‏

ريحة سيكارة والله العظيم‏‏

عندما دخل قدري الحكيم الغرفة أخذ يحرك طاقتي أنفه يمنة ويسرة، كأنما يتشمم أو يتأكد من رائحة ما، ثم أخذ يتمتم: ريحة سيكارة، والله العظيم ريحة سيكارة، نظرت إلى رئيس الغرفة الراحل محمود الحمصي فلمحت ص ضحكة مكتومة في وجهه، بدت ظاهرة وراء نظارتيه، ثم صرخ الأستاذ قدري:‏‏

- العمى.. شو هاد والله شي بيطلع الخلق... وبيكفر..‏‏

ثم إنه انتتر وأخرج من جيبه علبة سيجارات، أشعل واحدة منها، وهو لا يزال يبربر: شو هاد يا.. والله شي بيكفر.‏‏

وغرقنا جميعاً في ضحك من القلب.‏‏

ضياء خياط القمصان‏‏

الطريف في أمر الأخ الأصغر ضياء أنه كان يعشق الشعر ويحفظ الكثير من دواوين الشعر العربي، وكنت أراه في مقهى«البرازيل» المهدوم بين شلة الظرفاء: عبد السلام العجيلي، سعيد الجزائري، صلاح المحايري، عبد الرزاق كرد علي، عابدين حمادة، مدحة عكاش... وسواهم وعرفت يومها أن ضياء هذا صانع قمصان معلم يعمل في السعودية، لكنه يجيء كل صيف، ليمضي هذا الفصل في دمشق.‏‏

بين شاتوبريان والنجفي‏‏

وكانت لضياء نوادر وفقشات ومواقف طريفة كثيرة، منها أنه دخل يوماً مطعم الواحة «لوازيس» الذي كان بجانب سينما الأهرام هو الآن مخزن للثياب- يريد أن يتناول طعام الغذاء- بالمناسبة: المطعم هو قبالة مقهى البرازيل تماماً وطلب من الميتر بدر الذي كان يتشبه بنجم السينما كلارك غيبل فيقلده حتى في تسريحة شعره وشاربيه، أن يأتيه بوجبة«شاتو بريان» على اسم الشاعر الفرنسي chate albriand (1768-1848) وحين وصل الطعام فوجئ ضياء بأن قطعة اللحم رقيقة جداً، فقال معاتباً بدر: لقد قلت شاتوبريان: ولم أقل الصافي النجفي‏‏

وكان الشاعر العربي مشهوراً... بهزاله ونحوله.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية