تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كل خميس .. وحده الإنسان يؤنسن كل شيء

ثقافـــــــة
الخميس 21-6-2012
حكيم مرزوقي

نحن معشر الكائنات الحيّة من نبات وحيوان وإنسان (عذرا عن هذا الترتيب الذي قد يبدو تفاضليّا ولا يروق لبعضهم) نرفع رؤوسنا ونحنيها لأسباب واعتبارات كثيرة،

فالدابّة مثلا،كلّما ثقل عليها الحمل رفعت رأسها إلى السماء وذلك تسكينا للألم أو طلبا للرحمة أو رغبة في التوازن أو سعيا للأكل من أغصان الأشجار العالية... أو حبّا في النهيق و الصهيل و النباح،أو حتّى الصياح, لأنّ الديك لا تحترمه دجاجاته إلاّ إذا كان مرفوع الهامة مشرئبّ العنق.‏‏

كذلك الذئب الذي يستفزّه القمر باكتماله فيرفع رأسه معوّيا وراغبا في ضمّه إلى مملكته كما أراد أن يفعل (كاليغولا) الروماني في حكايته الشهيرة،أمّا الحمامة فترتفع برأسها بعد كلّ قطرة ماء تشربها حمدا للخالق و تحسّبا للأعداء.‏‏

لننظر إلى النبات الذي اعتاد العطاء بصمت،إنّه يرفع رأسه حين يرتوي ويعد بسقاية بالأزهار والظلال والثمار ما دام حيّا...أو حتّى بالحطب في برد الشتاء بعد اقتطاعه.‏‏

علّمونا في المدرسة أنّ السنابل تنحني تواضعا حين تكتنز بحبّات القمح -أذكر وقتها أنّي اعترضت على الأمر وقلت للمعلّم بنصف لسان سليط -:(السنابل كاذبة يا أستاذ،إنها تدّعي التواضع،فهي لا تنحني إلاّ لضعف في سيقانها وعجز على تحمّل حمولتها من القمح)..هدّدني بـ (وليّ أمري) فاعتذرت مطأطأ الرأس كما تفعل الأشجار اتّقاء للعاصفة.‏‏

لم أتّعظ ولم أخف من العقوبة و مضيت في لعبة المشاكسة والتطاول على المفاهيم المعلّبة والمسنّة مثل عريشة مجنونة.‏‏

ما معنى أن يقول لك الواحد مواسيا وحدها الثمار ترمى بالأحجار)... (عال), وما قوله في ثمار ترقد تحت أقدامنا في التراب كال(كمي)مثلا !؟ما معنى أن يهاجم أحدهم الآخر بقوله: (فلان كالنعامة يدفن رأسه في الرمال)...ما ذنب النعامة وما دخلها في الأمر ؟وهل تريدها أن تتفرّج على قاتلها و أين ستختفي بجسدها الممتلئ وقوامها الرشيق إذا كانت عارية في صحراء عارية..؟!....عداك على أنّ علم الأحياء قد فنّد هذه المقولة أصلا.‏‏

استطاب الإنسان ثنائيّة الأعلى والأسفل،وظّفها وبرّرها حسب موقعه ومزاجه فجعل رفع الرأس شموخا في لحظة زهو،وتكبّرا في لحظة ذلّ وجعل طأطأته عارا وهو منهزم...وسمّاه تواضعا وهو منتصر.‏‏

فرك الإنسان رأسه الصغير،جلس على كرسي المخرج وبدأ بتوزيع الأدوار على من حوله من حيوان ونبات و جماد فخصّ بعض الذين انتفع منهم بصفات حميدة وألبس الآخر عقده ونزواته فجعل من الفجل مثيرا للاحتقار و الطرخون خائنا للعهد والقطّ ناكرا للجميل والأرنب مثيرا للشفقة والجمل حقودا والقرد مهرّجا والحجر أصمّا والبحر غدّارا والصحراء موحشة... أمّا النعامة فجعلها جبانة لسبب لايريد الإفصاح عنه...ربما لأنّ الأخيرة تشفق على صيّادها الجبان من نفسه الأمّارة بالقتل ولا تريد أن تنظر في وجهه....ربّما –وللسبب نفسه- يغطّي القتلة رؤوس ضحاياهم بأكياس سوداء كي يحموا أنفسهم من رصاصة يطلقونها من أفواه بنادقهم فترتدّ إليهم من عيون hakemmarzoky@yahoo.fr ">ضحاياهم.‏‏

hakemmarzoky@yahoo.fr ‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية