تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الهياكل البشعة

آراء
الخميس 21-6-2012
الشيخ حسن حيدر الحكيم

عندما كنت أتابع خبر وفاة المفكر والفيلسوف الاسلامي روجيه غارودي الذي أقلق راحة الصهاينة بإسلامه و فكره المتنوّر، كانت أم سومر تنتظر خبراً مفرحاً عن ولدها سومر الذي خطفه المسلحون منذ أشهر عندما كان ذاهباً إلى مديرية التربية ليقدم أوراقه لامتحانات الشهادة الثانوية أحرار

وكان سومر المخطوف شاباً لطيفاً مسالماً حتى أن أقرانه يشبهونه بالبنت للطف طبعه ولين عريكته ، قد تعلم العزف على الكمان و أتقنه و كان هذا الكمان المتكئ على سرير سومر في كل صباح يذكر أم سومر بولدها المخطوف ، وبعد أشهرٍ من الصبر والانتظار تتابع أم سومر على قنوات التزوير و التضليل خبراً مصوراً يتعتع فيه المذيع كذباً مفاده : (الجيش السوري يقتل المدنيين.......) وتطل الصورة المجرمة وهي تجوب على الجثث المنكّل بها فرأت بينها جثة ولدها المخطوف كما رأت هؤلاء الإرهابيين الذين خطفوه منذ أشهر و قتلوه بالأمس يتنقلون بين جثث الضحايا ويدنسون دماء الشهداء كالشياطين و يصرخون بابتذال و دناءة محاولين مع تلك القناة المجرمة الشريكة في قتل سومر و رفاقه تزوير الحدث فيصبح القتلة ضحايا و الضحايا هم القتلة... اتصلت بي أم سومر و بصوتها المفجوع أخبرتني، فراقبت الخبرعلى تلك القناة وقد صعقني مشهد أولئك المجرمين الارهابيين وقد حلقوا رؤوسهم و أطالوا ذقونهم وهم يتنقلون بين جثث الضحايا كالشياطين يولولون ويكبّرون و يصرخون، كنت أتأمل هؤلاء الإرهابيين القتلة وأتساءل في نفسي: ( من صمم هذه الهياكل ؟ من هو الذي قرر هذا المظهر البشع على أنه مظهر المسلم المؤمن ؟) ، وذهب عقلي بذاكرته القريبة إلى أشكال هؤلاء الدعاة الكثر على القنوات المشبوهة في منشأها و في أهدافها و سألت نفسي مرة أخرى : (من صمم هذا الهيكل الخارجي لهذا الداعية أو ذاك ؟ من المستفيد من رسم هيكلية الداعية على هيئة شيطان ؟ ولماذا تأتي ألفاظهم فجة ونبراتهم غاضبة وأقوالهم مهددة ؟ لماذا يخاف أطفالنا منهم و يفزعون من ملامحهم ؟ ). والأقبح والأبشع أنّ مفكراً إسلامياً كروجيه غارودي يرحل عن عالمنا بعد حربٍ ضروس مع الصهيونيّة العالمية وادعاءاتها ولم تفطن لا قناة الجزيرة العميلة ولا أخواتها أن يستضيفوه ولو مرّة واحدة كمفكّر إسلامي بل انشغلت للترويج للهياكل البشعة على أنها إسلاميّة والاسلام منها براء لتفاهتها ومجونها وعمالتها ولست أنسى ذاك الداعية الذي أمضى ساعة من الزمن وهو يشرح بإسراف عن حكم إرضاع الكبير ؟!! وهذا لا يمت بصلة لروح الإسلام بل هو تعبير عن عقل هذا الداعية المنصرف نحو الجنس المُسِف في حين أن من قرر التصدي للصهيونيّة من موقع الفكر الاسلامي النقي لم يخطر ببال هؤلاء العملاء الذين ركبوا مركب الاعلام استضافته و تعريف المسلم العربي عليه كدليل الناصع على قذارتهم وإجرامهم كذلك حكاية الشهيد سومر وأمّه الشاهدة على الزور و البهتان والظلم والإجرام وقد ثبت لي أن بناء هذه الهياكل المقرفة شكلاً والمثيرة للاشمئزاز مضموناً والمؤدية لغضب الله عليهم شكلاً و مضموناً ما دفعني للتساؤل من جديد : (كيف ومتى تخلى هؤلاء المارقون عن ردائهم الإنساني عودةً إلى هياكلهم البشرية البهيمية فقتلوا ودمروا و زوّروا وجعلوا من أعمالهم المخزية فعلاً حميداً يتباهون به ؟ كيف ومتى استطاعت القنوات اللعينة تصوير تلك التصرفات المشينة والمشاعر المجرمة والتفكير الإلغائي الإرهابي و الأفعال الغريزية الهدامة؟ كيف استطاعت أن تصورها لنا أنها ربيع عربي؟).‏‏

لقد بالغت هذه الهياكل البشعة المصنعة و المزخرفة في أقبية وكالات الاستخبارات الأمريكية و الصهيونية بالغت جداً في تقييم قدراتها و تجاهل الوعي الوطني في سائر أنحاء الوطن العربي كما بالغت في معرفة وزنها الاجتماعي والسياسي لمجرد أنها تنكرت بهياكل تبدو للعيان أنها دينية إسلامية متجاهلين ذاكرة الشارع العربي الذي اقترن الإسلام في ذاكرته بتراث ابن سينا و ابن حيان و صلاح الدين الأيوبي وأن هذا الشارع العربي في غالبيته لم يجد في تاريخه أمثلة قبيحة تحاكي هياكل الإرهابيين في القاعدة أو الإخوان المسلمين أو ماشابه ذلك . لقد غاب عن إدراك هذه الهياكل القبيحة أن المجتمع العربي و السوري خصوصاً قد تغيّر وتطوّر بالتعليم المجاني بالمدارس والجامعات و المعاهد فزاد من معارفه و حكمته كما زاد الموقف الوطني لسوريا قائداً و شعباً و جيشاً في دعم الصمود و المقاومة من معرفة المجتمع السوري بموقعه الحقيقي ومنزلته العظيمة بين الشعوب و أقول لأصحاب الهياكل القبيحة أننا أصبحنا مؤمنين بالله عندما تخلصنا من كل الآثار النفسية و الفكرية لأي إرث حيواني غريزي يريد الاستعمار أن يعيدنا إلى خانته من جديد فلا طائفيّة ولاعشائريّة و لا قبليّة في حياتنا وعلى كلّ هذه الهياكل المشبوهة أن تعيد النظر للخروج بنفسها من قماقم التعصب و الوحشية إلى مساكن الإنسانية و الوطنيّة حيث الشرف أولاً والسعادة الدائمة في عالم حر هادئ و مسالم و موحد ومستقيم أخلاقياً ليس فيه أناس مهمشون أياً كانوا ، مذكراً أم سومر أننا بصبرها وبإيمانها بالله وبوطنها سنعيد للإنسان العربي شرفه و شهامته و كرامته و أخلاقه السامية .‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية