تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


اللغة الاستثنائية جداً!

آراء
الخميس 21-6-2012
حسين عبد الكريم

قد لا تتأخر إصداراته وموافقات بلاغاته وفصحاه وحكيه.. ويوافينا بنشراته الدورية وأحزانه ورؤاه..

كم قرأ الناس وتعلموا في المدارس والبيوت والجامعات وحين يعطي ما عنده من معلومات وحداثة، تتوقف جميع الحداثات لتصغي لنطقه ودروسه العامة..‏‏

حاول من حاول، لم ولن يوافق على الدروس الخصوصية المأجورة.. كل درس لديه يفصح عن أخلاق وعرة وفهم استثنائي وجدارة بالعلوم واللغة والمعاني.. الدم العربي جامعة الجامعات ومؤلف المؤلفين، ونبي البلاغة والفصاحات ومعلم المعلمين.. النفط العربي أخبث ما يفعله أنه يتآمر على الدم العربي من الجرح إلى الجرح ومن النبض إلى الوريد، ومن القامة إلى القناعة ومن البقاء إلى القيامة.. نفط اختارت له لغة الخراب الكوني مقدرة التدمير والبطر والتفاهات على حساب الإنسان والدم والأحلام.. بدل أن يتقدم بأوراق اعتماد حضارية لمصلحة أهل الأرض والعرض، تقدم بهمجية الجوع والفساد وقتل الأحقيات والأقرباء والجيران..‏‏

ورغم فعلته اللعينة ولغته المنحطة تقاوى دم السوريين على الطعانات والنزيف والخيبات والموت، وانتخى ليبتكر أهم اللغات واللهجات والحداثات..‏‏

الجسد السوري للحصانة والحماية والسياج.. أجساد السوريين الأسيجة تمتلك كل مقومات الحداثة الوطنية والنبل ويفاعة القناعات..‏‏

في كل نفس قناعة شابة وفي كل نفس ونبض رؤى كاملة.. لم ينم حلم الجسد وهاجس الدم، ولم يستسهل الحداثة والتضحيات إلا بقدر ما هو سياج وقول حق من أجل الحلم والحرية والحياة..‏‏

في الأحوال الاعتيادية نسمي أجسادنا ونصفها بمواصفات الأفراح والأيام واللياقات العامة ونبتكر صوراً تلائم بين ما في أرواحنا وما في الرغبات والسلوكات..‏‏

في الأحوال الوطنية الصعبة والانفعالية جداً والقاسية والفارقة لا يبقى الجسد اعتيادياً ولا يبقى الدم فقط (اكسير) حياة ونداء حياً في البقاء ومن أجله.. يصير الدم (اكسير) وطن ونبع بهاء ورجاء.. نصد الغول عن الطمأنينة وندافع عن أحلام الأرض والعرض والشجر والبشر ونبوغ الطبيعة والأكوان الوطنية.. ليس بوسع الجسد الوطني أن يتهاون عن إعطاء الدروس الصحيحة جداً والمختلفة جداً والحديثة أشد من أي إبداعات وتجديدات أخرى..‏‏

دم السوريين معلم استثنائي يلقي محاضراته العامة ويحيي مهرجانات ويسير بطلاً في احتفالات المؤازرة والنصر ويقول آخر وأهم المقولات والخطابات..‏‏

في حضرة هذا الدم البليغ ليس بوسع القصائد إلا الإصغاء وتعلم القوافي والحروف والشدات والموسيقا..‏‏

جسد النساء يعلم العيون الأناقة والنظرات الجميلة.. وجسد الرجال يعلم القلوب الوطن والمحن ليس من أجل المحن بل من أجل التعدي على المحن واليأس..‏‏

جسد ورجولة ودم وبلاغة ودروس يتلقاها عقل الوطن والقلوب، وتبقى أقوى المحفوظات والدروس والمعلومات..‏‏

الدم يخاف في الحالات الهادئة والراكدة، لكنه أبداً لا يخاف في حالات الوطن والشجن والأحزان الكبيرة..‏‏

في مرحلة الحزن الكبير لا تنفع إلا خطابات التحدي والتضحية والفداء.. وفعلها الدم السوري بكل إبداع حين راح يسيج بالشجاعة المعاني والحياة والأرض والأبناء والأمهات..‏‏

منذ هذا الدم البليغ والمبدع أكثر من أكثر المخيلات إبداعاً وأكثر من أكثر الفنون براعة..‏‏

منذ هذا الدم العاري عن الخوف والخطأ والخديعة والنكران ازدادت الثقة بالمفردات واللغة والفصاحة وغدونا أقوى من اليأس وأحسن حالاً من سابق عهدنا باللهجات والغناء..‏‏

دم يعلم المحكية النباهة وجودة التعابير ويسطع في الكلام عناوين حداثة الحداثات.. ويقتل الهمجية في أوجاع الجوع والنفط والبطر.. الدم المقاتل ليس معلماً فحسب بالنطق والحكي والمخطوطات النادرة التي يخطها وهو يضيء ويمضي بل هو حكيم بتواضعه وبساطته وعفة بقائه وبهائه.. لا يستعرض ما لديه ليبطر على المتلقين كما يفعل بطر المال وبطر النفط وبطر الهمجية وبطر التدمير..‏‏

كما يعلم الشجاعة والمناعة والأسيجة يعلم الوضوح والسطوع والبساطة الراقية، ولعله لعلوه يتعامى عن الصغائر وأخطاء الضمائر، لأنه يبحث عن وطن يبنيه وبقاء يحميه وإبداع يكمله أو يضيف إليه الحداثة كل هم ومحنة.. بالدم العظيم تكبر اللغة والحياة وقامة الحلم والوطن.. وبه يدوم الزمن.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية