تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


خيبة الواهمين

بالقطع السوري
الخميس 21-6-2012
علي محمود جديد

لا يوجد أي بلد في العالم – على حدِّ علمنا – لا يقوم بطباعة أوراقه النقدية، ويبدو الأمر ساذجاً إلى حدٍّ كبير – إعلامياً على الأقل –

بأن تعتبر وسيلة إعلامية عملية طباعة الأوراق النقدية مسألة مثيرة للاهتمام، ولاسيما إن كانت هذه الأوراق لبلدٍ آخر، فما يثير الاهتمام هو حركة هذه الأموال وطريقة تداولها لا طباعتها، كالقروض والتلاعب فيها والتخلف في تسديدها، وكالصفقات والضرائب والرسوم، ورؤوس الأموال الاستثمارية وما إلى ذلك .. خصوصاً وأن عملية الطباعة تجري برتابة محددة ومُقيَّدة بقوانين وأعراف دولية لا يمكن لأي بلد أن يتجاوزها، ولعل أبرز هذه الأعراف هو ذلك التناغم بين كمية الأوراق النقدية المنوي طباعتها، والتغطية الحقيقية الموازية لها إن بالذهب أو العملات الأجنبية، وإن أقدمت إحدى هذه البلدان على عدم التقيد بعرف التغطية هذا فإنها لن تستفيد شيئاً من طباعة أوراق نقدية غير مغطاة فالتضخم سرعان ما يأكل قيمتها بارتفاع محتّم للأسعار يوازي حجم الأوراق النقدية المطبوعة بلا رصيد أو بلا تغطية، ولو لم يكن الأمر كذلك لكانت اليونان اليوم – مثلاً – ليست بحاجة لأحد ويكفيها أن تقوم بطباعة احتياجاتها من الأوراق النقدية، ونحن مثلاً في سورية أيضاً لو أن جميع المودعين في المصارف العامة والخاصة سحبوا جميع إيداعاتهم لما كانت المصارف قد اضطرت لإيقاف القروض مامدام مصرف سورية المركزي مستعد لترميم النقص في السيولة من خلال طباعة أوراق نقدية جديدة هكذا بشكلٍ عبثي، لا بل على العكس تماماً فمع أن رصيد المصارف السورية اليوم جيد ولا خوف عليه فإن هذه المصارف توقفت عن الإقراض حفاظاً على ودائع المودعين لأنها تدرك جيداً بأن المركزي لن يخالف تلك الأعراف فمن الطبيعي أن نعيش هذا المشهد المصرفي اليوم في سورية بإيقاف القروض إلى حين .‏‏

ولكن ومع هذا الوضوح كله فإن حجم الانقضاض على سورية يبدو مخترقاً لمختلف حالات المنطق والموضوعية، إذ يريد المنقضّون وبوضوح أن يستهدفوها بمختلف الأساليب والطرق، بالصدق .. بالكذب .. بالأضاليل .. بالفبركات .. بالخيال .. بالواقع .. بالوهم .. بالتحليل .. ( بالجكر.. ) بالقهر.. بالعهر.. المهم أن يطبقوا الظلام على بلاد الشمس هذه ( سورية ) بأي ثمن وكيفما كان ..!!‏‏

فتارة يؤكد لنا – من لا يعلم شيئاً – أن المركزي قد طرح ( بالسر ) أوراقاً نقدية جديدة بالسوق، ثم يأتي النفي من مصادره الرسمية ..! وتارة يقولون إن المركزي سيطبع في روسيا أوراقاً نقدية سيئة رغم أنهم يعلمون أنه لا توجد أوراق نقدية سيئة وأخرى غير سيئة، وتارة يحاولون أن يدبّوا القلق في نفوس الناس بالقول إن الأوراق الجديدة لن تكون متطابقة مع القديمة وهذا يؤثر على ( مَدري شو ..!!) ثم يتفاصحون بأن المركزي يبدّل للناس أموالاً تالفة وهذا يؤثر على التضخّم رغم أن هذا ليس أكثر من كلام مضحك فمن يتابع ضحالة هذه التبديلات التي لا تتعدى في الدفعة الواحدة مئات الآلاف – يعني بالكاد تصل إلى المليون ليرة – يدرك حجم هذه الادّعاءات التافهة، وأغلب هذه التبديلات تحمل أسباباً طريفة إذ نرى أحياناً مجموعة ( ختايرة ) أي مسنّين تعرّضت مبالغ عندهم للتلف بسبب القوارض .. أو العفن ..! أي إنهم يخبّئون أموالهم بطريقتهم المعروفة تحت البلاطة أو في اللحاف فقرضتها الفئران أو أنهكتها الرطوبة، فحتى مثل هذه الحالات العابرة التي لا طعم لها على مستوى السياسة النقدية صارت من القضايا الصعبة والخطيرة عند أولئك الواهمين الذين لن ينالوا بالنهاية إلا الخيبة .‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية