تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الطبــــــــــــــــل

استراحة
الأحد 12-1-2014
لا يحتاج إلى تعريف، فهو مُعروَّف بأصواته وبأدواره التي اضطلع بها منذ فجر الحضارات الإنسانية، ولمّا يزل مُصرَّاً على أن يكون رفيق السلم والحرب، والشاهد إذا استُنطق حول مسيرة الإنسان.

شيء من تاريخ الطبل‏

للطبل تاريخ طويل ضارب في عمق الأزمنة، فقد دلّت الاكتشافات الأثرية أنه يعود إلى ستة آلاف سنة، استناداً إلى الطبول الفخارية التي تم اكتشافها في مورافيا، وهي منطقة جبلية في شرقي جمهورية التشيك. ومن سومر انتشر هذا الطبل في جميع أنحاء آسيا الصغرى، ولا يزال مستعملاً حتى الآن. وفي الأساطير العربية أن «لامك» كان أول من صنع الطبل والعود والدف، وتنسب إلى أخته «دلال» صناعة القيثارة أو المعزف. غير أن الدراسات التاريخية والأثرية تُجمع على أن كل الحضارات الإنسانية قد عرفت الطبل، وأن الطبول وُجدت قبل أي سجلّ تاريخي. ‏

ومن أشهر الطبول عند قدماء السومريين والبابليين، ذلك الذي سموه «بالاق» وهو الطبل المُقدَّس، وإذا ما قُرع فصوته من صوت «الآلهة» ويجب الإنصات إليه والخشوع له.‏

والبالاق طبل كبير مشدود عليه جلد من الجهتين ضيق الخصر، وتُبيِّن الصور القديمة أنه كان يُحمل على الكتف بواسطة حزام من الجلد، وكان لهذا الطبل الكبير أهمية كبرى في موسيقا الهيكل وفي الموسيقا المدنية والعسكرية على السواء، «صغير»- أصبحت كلمة أوب تور أي الطبل الصغير. ‏

ومن أنواع الطبول أيضاً، طبل مصنوع من النحاس يُسمَّى في اللغة السومرية القديمة «دوب»، وقد انتشرت هذه التسمية مع الزمن إلى مختلف الأمم،‏

وتؤكِّد الآثار أن الطبول كانت أكثر تنوعاً في العصرين البابلي والآشوري، فقد كانت بين طبول كبيرة توضع على الأرض وصغيرة تُمسك باليد في وضعية أفقية معلقة في حزام يلتف حول وسط القارع الذي يقرعها بيديه. وكان للطبول منزلة مُقدَّسة عند السومريين والبابليين، حيث تذكر الكتابات المسمارية الآكادية أن الجلد الذي يُصنع منه الطبل يجب أن يكون من ثور لم يُصب بمرض ولم يعلُ رقبته نير، وعند ذبح الثور تُقام طقوس دينية ومراسيم خاصة، ثم يحرق قلب الثور ويجفف جلده ويُنشر ثم يعالج الجلد بالدقيق الناعم والخمر والدهن والطيب،‏

وقد كان لقب «حارس الطبل» من أهم الألقاب عندهم، فقد خصصوا للطبل الكبير المقدس، الذي لا يفارق الهيكل حارساً، برتبة كاهن عظيم وميَّزوه بلقب «حارس الطبل المقدس». وحُرَّاس الطبول هم أشخاص يُنتقون بعناية ويتم تدريبهم وتأهيلهم لحراسة طبول الهياكل الدينية وبيوت الحكمة، لأن القرع على الطبول المحروسة هو تعبير عن هيبة الحاكمين .‏

أما الحضارة الفرعونية فقد عرفت الطبول المصنوعة من خشب السّدر وكانت لها فنون في صناعتها، لا سيما صناعة الطبل العملاق الذي بُنيت الأهرامات على إيقاعات قرعه، حسبما جاء في بعض الدراسات،‏

أنواع الطبل وأشكاله‏

طبول عربية‏

زوَّدتنا المصادر العربية -مثلاً- بأسماء كثيرة للطبل حسب وظيفته ومناسبة استعماله، مثل: طبل الغز، وطبل العيد، وطبل المسحّر، وطبل الحجيج ، وطبل المواكب، وطبول الملاحين، وطبل الجمَّال وغير ذلك من الأسماء الكثيرة. أما من حيث الشكل فهناك المستدير الكبير والطبل الطويل والطبل الأسطواني والنقَّارات والطبلة وغيرها كثير. ‏

وأكثر أنواع الطبول شعبية، الطبل المُطوّق والطبلة الكبرى والدف. والدفوف فقط هي التي تصدر أنغاماً موسيقية، بينما يُستخدم النوعان الآخران، بوصفهما آلتين إيقاعيتين.‏

أما الدف فيتم الطرق عليه، في شكل مجموعات ثنائية، أو رباعية، ويُطلق عليه عادة اسم النقَّارية.‏

وهناك الدربكة أو الدربوكة في بعض البلدان العربية، وهي إحدى الآلات الإيقاعية المنتشرة في البلدان العربية وتركيا ، وهي آلة قديمة عرفها البابليون و السومريون منذ عام 1100 قبل الميلاد. يصنع جسم الدربكة من الخزف أو الخشب ويُشد على الطرف العريض منها سطح جلدي أو بلاستيكي.‏

الطبل في الأدب‏

لم تغفر مرافقة الطبل للإنسان منذ فجر الحضارات، أن يكون له ذكر طيِّب في حقول الأدب، فهو سيء السمعة ومُرادف للمعاني التي تفيد إهدار الوقت، والجنوح إلى اللهو على حساب الجد والاجتهاد، ونشر الإشاعة، والأحاديث الجوفاء وغيرها من المعاني التي لا توافق الخُلق القويم.‏

ولعل من أنصف الطبل هي الكاتبة الشيلية إيزابيل الليندي، حيث افتتحت كتابها «الجزيرة تحت البحر» بهذه الكلمات: «الطبول تهزم الخوف، والطبول هي إرث أمي، إنها قوة غينيا التي في دمي. وعندئذ لا يجاريني أحد، أصير قوة خارقة».‏

الثَّعلب والطبل‏

قصة «الثعلب والطبل» التي وردت في كتاب «كليلة ودمنة» لابن المقفع، من أشهر القصص التي علَّمتنا منذ الصغر ألا نغترَّ بالجثة العظيمة فمقياس النفع لا يكون بالحجم.‏

تقول القصة: «زعموا أنّ ثعلباً أتى أجمة فيها طبل معلَّق على شجرة، وكلّما هبت الريح على قضبان الشجرة حركتها، فضربت الطبل، فسُمِعَ له صوت عظيم. فتوجَّه الثعلب نحوه، فلما أتاه وجده ضخماً، فأيقن بكثرة الشحم واللحم، فعالجه حتى شقه. فلما رآه أجوف، لا شيء فيه، قال: لا أدري.. ربّما كانت أتفه الأشياء أجهرها صوتاً وأعظمها جثةً».‏

الطبل الصفيح‏

من أشهر روايات الأديب الألماني «غونتر غراس» روايته الطبل الصفيح التي نشرها سنة 1959م وهي أولى روايات الثلاثية «دانسيغ»، حيث تلتها رواية «القط والفأر» (1961م) ثم رواية «سنوات البؤس» (1963م).. وبعد أن نال غراس جائزة نوبل للآداب سنة 1999م نُشرت الترجمة العربية التي أنجزها حسين الموزاني وصدرت عن منشورات دار الجمل بألمانيا سنة 2000م.‏

تجري أحداث هذه الرواية قبيل وخلال الحكم النازي في ولاية دانتزغ المستقلة آنذاك على الحدود الألمانية البولونية. وتحكي قصة طفل يدعى أوسكار ماتسرات ولد لأم كاشوبية (من غجر بولونيا) وأب ألماني. ‏

عند بلوغ الطفل أوسكار السنة الثالثة من عمره، تقرَّر أن يجمِّد نموه الجسدي ويبدأ مشواره في الحياة على شكل قزم، مسلحاً بطبل صفيحي وحنجرته التي تصدر أصواتاً هدَّامة.‏

الطبل نداء الحرب‏

كان القرع على الطبول من أولى أشكال التواصل و«الإعلام» بين البشر، فطريقة القرع عليه هي أشبه بإرسال «برقية» عاجلة يتوافق المُرسل والمتلقي على شفراتها. ولعل الطبل لم يزل يحتفظ بهذا الدور في أعماق إفريقيا ومناطق من آسيا وفي أدغال أمريكا الجنوبية، حيث القبائل التي لم تزل تحيا على طريقتها التقليدية.‏

وقد أصبح الطبل لشدة ارتباطه بالقبيلة وحياتها الحربية يطلق على الجيش، فيقال للقبيلة الفلانية سبعة طبول أو ستة أو خمسة كناية عن عدد الجيوش. أما عن حضور الطبل في المعارك، فليس أبلغ من المشاهد التي ترسمها الأفلام، عن قرع الطبول قبل ابتداء المعركة وخلال التهابها، والغاية هي إثارة الحمية وتحفيز الهمم على الاستبسال في القتال.‏

ولعل أوثق حضور للطبل في الحروب، هو الطبل العسكري في الجيوش النظامية لا سيما الأوروبية منها، فقد كان يوكَّل لطبل الحرب ضابط له رتبة ومكانة، حيث يشرف على فرقة الطبالة ويتقدَّم صفوفهم بطبل مكسوّ بألوان الزي الرسمي لذلك الجيش، وعند الفرنسيين قصة مشهورة عن ابنة رائد الطبل وما قامت به من بطولة في إحدى حروب فرنسا.‏

.للبحر طبوله أيضاً‏

سُمِّيت سمكة الطبل بهذا الاسم لأنها تصدر ضجيجاً مميزاً يشبه صوت الطبل، وهي أنواع عديدة منها سمكة الطبل المُبقَّعة وسمكة الطبل الأسود، وسمكة الطبل الأحمر التي بدأ الاهتمام باستزراعها في أواخر سبعينيات القرن الماضي بسبب القلق من الصيد التجاري والترفيهي،‏

طبل المسحّراتي مازال يُقرع‏

لم تنجح وسائل الإعلام المعاصرة بكل تقنياتها ولم تفلح الساعات بمنبهاتها القوية في أن تُخمد صوت الطبل وتدفع «المسحراتي» للدخول إلى ذاكرة النسيان. فالمسحراتي لم يزل حاضراً في الثقافة الشعبية العربية ويمارس وظيفته الرمضانية بكل عناد وإصرار، خاصة في الأرياف والمناطق النائية. بل إن هناك من يقوم بدور المسحراتي في بعض أحياء المُدن الكبيرة، تمسكاً منه بمورثه وتقاليده.‏

تختلف أسماء المسحراتي من قطر عربي إلى آخر، فهو المُسحِّر وهو المسحَّراتي وهو النقَّار وهو الطبَّال وهو أبو طبيلة، وأسماء أخرى عديدة، ولكن صفته واحدة فهو «بطل» تلك اللوحة الرمضانية الأصيلة لرجل يحمل طبلاً ويطوف بين الأحياء موقظاً الناس لكي يتسحَّروا.‏

وفي عصر الدولة الفاطمية أصدر الحاكم بأمر الله الفاطمي أمراً لجنوده بأن يمروا على البيوت ويدقوا على الأبواب بهدف إيقاظ النائمين للسحور، ومع مرور الوقت تم تخصيص رجل للقيام بمهمة المسحراتي كان ينادي: «يا أهل الله قوموا تسحروا»، ويدق على أبواب المنازل بعصا كان يحملها في يده.‏

تطورت بعد ذلك طريقة «التسحير» فظهرت في مصر طبلة المسحّر ليحملها المسحراتي ويدق عليها بدلاً من استخدام العصا، هذه الطبلة كانت تسمَّى «بازة» وهي صغيرة الحجم يدق عليها المسحراتي دقات منتظمة، ثم تطورت مظاهر المهنة فاستعان المسحراتي بالطبلة الكبيرة التي يدق عليها أثناء تجوله بالأحياء وهو يشدو بأشعار شعبية‏

الطبل في الشعر‏

ورد ذكر الطبل كثيراً على ألسنة الشعراء بألفاظ متعددة، وفي معانٍ مختلفة، ومنها قول المتنبي: ‏‏

إذا كان بعض الناس سيفاً لدولة‏

ففي الناس بوقات لها وطبول‏

وهو من الأبيات التي عاب فيها النقاد على المتنبي جمعه بوقاً على بوقات في غير ضرورة.‏

وقال أبو الشمقمق‏

وليس على بابِ بن إدريسَ حاجبٌ‏

وليس على باب بن إدريسَ من قفلِ‏

طربتُ إلى معروفهِ فطلبتهُ‏

كما طَرِبَتْ زَنْجُ الحجازِ إلى الطَّبْلِ‏

طبول لها أساطير‏

إن لم تكن الطبول صانعة للأساطير فهي جزء منها أو متخفيَّة في تفاصيلها، ذلك أن الطبل كان مُقدساً عند الشعوب القديمة، وكانت غاية أولى الطبول التي صنعها الإنسان هي مخاطبة «الآلهة» من خلال القرع على الطبول.‏

طبل الهنود الحمر‏

تروي إحدى أساطير قدامى قبائل الهنود الحمر، وتعرف بأسطورة قبيلة أبيناكي (Abenaki Legend) أنه بينما كان الخالق يمكِّن الأرواح كافةً من تعمير الأرض الأم، جلجل صوت مدوٍ من بعيد ومع دنوّ الصوت من الخالق، عرَّف الصوت عن نفسه بأنه «روح الطبل» وقد أتى إلى الخالق راجياً أن يأذن له بالمشاركة في ذلك «العمل البديع» بتوزيع أرواح المخلوقات على الأرض. وعندما سأل الخالق الطبل عن كيفية الدور الذي يودّ أن يسهم به، أجاب الطبل بقوله: «سأكون رفيقاً للناس كلَّما صدح صوتهم بالغناء الجميل النابع من القلب، وسأغني معهم آنذاك وأغدو لهم نبض قلب الأرض الأم. عندها، ستغنِّي كل المخلوقات بتناغم وانسجام».‏

وتقول الأسطورة: إن الخالق استجاب لرغبة الطبل، فكان له ما أراد، ومنذ ذلك الوقت بات الطبل رفيقاً دائماً لصوت الشعوب كافة.‏

الراقصة والسياسي‏

من أشهر الأفلام العربية التي كان للطبل فيها دور مميز، فِلم «الراقصة والسياسي» بطولة الممثل أحمد زكي والممثلة نبيلة عبيد ومن إخراج أشرف فهمي وتأليف إحسان عبدالقدوس.‏

تدور أحداث الفِيلم حول طبَّال -أحمد زكي- يتولَّى تدريب راقصة الموالد «مباهج» نبيلة عبيد، وتحويلها لراقصة محترفة.. وتتوالى أحداث الفِيلم ملقية الأضواء على دور إيقاع الطبلة في الرقص الشرقي، ومدى اعتزاز الطبَّال بطبله وفنِّه.‏

الطبول البعيدة‏

«الطبول البعيدة» (Distant Drums) من كلاسيكيات السينما الأمريكية بالأبيض والأسود، أخرجه راوول وولش وقام بدور البطولة غاري كوبر. يحكي الفيِلم عن هنود السيمينول في ولاية فلوريدا وهم يواجهون القوَّات البيضاء بين تلك الأحراش والغابات.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية