تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في الذكرى السابعة لرحيله...القائد حافظ الأسد رجل التاريخ والثوابت

شؤون سياسية
الأحد 10/6/2007
سليم عبود

أي دور للرئيس حافظ الأسد يمكننا أن نتحدث عنه أكثر من غيره.. دوره في حياة الحزب والجماهير,أم دوره القومي في تحقيق تضامن عربي

لمواجهة المشروع الصهيوني بمشروع قومي,أم عن دوره في احداث وقيادة حرب تشرين,أم دوره في لبنان لوقف نزيف الدم .و اخراجه من دائرة المؤامرة الإسرائيلية باسقاط اتفاق 17 أيار أم دوره التاريخي في التصدي لاتفاق كامب ديفيد ووقف الهرولة باتجاه إسرائيل ,أم نضاله لتحقيق وحدة المسارات بعد مؤتمر مدريد,ومقاومته لتفكيكها أم دوره كقائد استطاع أن يركز علاقات سورية بالعالم وأن يؤكد على دور سوري ليبرز كأحد أهم قادة العالم في الثلث الأخير من القرن العشرين,أم الحديث عن بناء سورية مرافق ومؤسسات وحزباً وجبهة وطنية وقوانين وتشريعات ومؤسسات اقتصادية واجتماعية,ليصنع من سورية قوة قادرة على الانطلاق باتجاه التطور والصمود والتمسك بثوابت الأمة لمواجهة المشروع الصهيوني الأميركي? ثلاثون عاماً هي عمر حركة التصحيح قبل أن يرحل القائد الأسد ازدادت بألق وضياء من المجد...‏

تسلم الرئيس الأسد قيادة سورية وهي دولة منهكة حزبياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً فالحزب كانت تقوده عقلية مناورة وتتجاذبه تيارات متعددة.. والجيش منهك تماماً إثر هزيمة حزيران .. والواقع الاقتصادي مترد تماماً..‏

وعلاقات سورية العربية التقدمية في أدنى مستوياتها ومركز سورية العربي والدولي كان هامشياً والأحزاب القومية التقدمية كانت مهمشة وخارج السلطة وخارج المسؤولية وخارج القرار فأراد القائد الأسد أن يكسر احتكار الحزب للسلطة فجعل هذه الأحزاب شركاء في السلطة وفي القرار ..‏

وانتقل الرئيس الأسد في زمن قصير بسورية من بلد كان عبئاً على عملية الصراع العربي الإسرائيلي الى بلد يشكل مفتاح القرار في المنطقة ومركز النبض القومي وحامل هموم الأمة وقضاياها المصيرية.. ومن بلد الهزيمة الى بلد الانتصار على اليأس وعلى القوة العسكرية الإسرائيلية التي لا تقهر.. ومن سورية بلد الانقلابات بفعل التدخل الأجنبي الى بلد التماسك والقوة والاستقرار.‏

كان السيد الرئيس يرى أن كل طاقات الأمة يجب أن تزج لصالح التناقض الرئيسي مع إسرائيل من أجل ذلك دعا الى وحدة موقف الأمة وتناسي خلافاتها... لأن معركتنا مع (إسرائيل) ,معركة وجود وأن الصهيونية تستهدف الأمة كلها..‏

من أجل ذلك رأى في الحرب العراقية الايرانية حرباً مجنونة تستنزف قدرات العراق وتستنزف قدرات ايران الثورة لأنه كان يرى في ايران بعداً استراتيجياً للصراع العربي الإسرائيلي لأن ذهنه كان مشدوداً دائماً الى هذا الصراع..‏

وقد أثبتت الأحداث اللاحقة صحة هذا الموقف وأدرك كل الذين وقفوا وجرحوا الموقف السوري تجاه الحرب العراقية الايرانية أن موقف الرئيس كان صائباً.‏

ووقف مع الكويت أثناء الغزو لأن هذه الوقفة تنطلق من موقف قومي.. فالمعركة في رأيه مع (إسرائيل) لا تمر من الكويت ولا من عمان ولا من بيروت وأن المعركة مع (إسرائيل )لا يمكن كسبها إلا بتضامن عربي,وبقرار عربي كما حدث في حرب تشرين.‏

كان القائد حافظ الأسد قائداً استثنائياً بامتياز,فهو عسكري ومفكر وسياسي وعقائدي يتسم بالهدوء والموضوعية ووضوح الرؤية..‏

وكان القائد حافظ الأسد يمتلك فهماً حقيقياً للتاريخ ويعيشه ويؤمن بالاستشهاد وبالأمثلة التاريخية وكانت لديه القدرة أن يستطرد بالواقعة التاريخية ويستنبط دلالاتها ثم يؤكد النتيجة التي سيصل إليها ويترك للمستمع الاستنتاج..‏

فعمل القائد الخالد حافظ الأسد كان في الحقيقة التاريخ.. وهذا أمر نادر في رجال السياسة يحيط به هاجس من موقع فهمه لحركة التاريخ.. وكان في حديثه مع زائريه من داخل القطر وخارجه ومن سياسيين وقادة عرب وأجانب يستشهد بالتاريخ ويحدثهم من الذاكرة.....‏

والقائدحافظ الأسد كان شديد التعلق بالذاكرة.. فالذاكرة هي المحرض على العمل النضالي لازاحة الألم الذي تراكم قروناً على كاهل الجماهير وروحها وحياتها وعلى الوطن ومسيرته.. فالعلاقة بين الوطن والحزب والشعب كانت تشكل عنده أهم أقانيمه المقدسة,لأنها القادرة على تكوين تفاعل حقيقي لايقاظ مجد الأمة لكتابة تاريخ جديد,ولكن ما الذي سيكتبه التاريخ عن رجل التاريخ القائد حافظ الأسد..‏

سيكتب التاريخ أن القائد الخالد حافظ الأسد كان متعلقاً بالثوابت والتي تقوم على تحرير الأرض .. تعميق العلاقة بين الحزب والجماهير.. والتضامن العربي لمواجهة المشروع الأميركي الصهيوني.‏

وتحقيق وحدة العرب لاعلاء كلمتهم بموقف قومي,والغاء كافة التناقضات الثانوية بين الدول العربية لصالح التناقض الرئيسي مع العدو الصهيوني ومحاربة الفكر الرجعي والطائفي.. تدعيم دولة المؤسسات.. فهو عقائدي ابن مدرسة عقائدية نشأ فيها وكبر بها..‏

فتركيبته كاملة تركيبة عقائدية وايمانه بالأمة ايمان قدري.. فلسطين ليست عنده أرض أخرى كأية أرض عربية وحسب فهي جنوب سورية,نشأ حافظ الأسد في ظل الايمان المطلق بأن فلسطين جزء هام في الوطن العربي..‏

وفلسطين كلها مع الأقصى هي أولى القبلتين.. وفلسطين هي مركز الصراع بين الأمة وبين الصهيونية.. وأن فلسطين هي الامتداد الطبيعي لسورية.. من أجل ذلك ظلت فلسطين في عقله وذاكرته وفي دائرة اهتمامه.. وظلت المقاومة الفلسطينية محتضنة لديه ومدعمة ويرى فيها أملاً وقوة وطريقاً لتحرير الأرض..‏

الرئيس حافظ الأسد كان عقائدياً من الطراز الأول وظل بعثياً حتى آخر أيامه.. لأن الحل العلمي في رأيه لحسم كثير من المشكلات داخل الوطن ومنها الطائفية والمذهبية.. عقائدية الجيش..‏

فلسطين الاطار القومي السوري والحزب.. العدالة الاجتماعية.. فالحزب عنده كان رداً سياسياً وأخلاقياً ورداً حضارياً وقومياً للوقوف في وجه العنصرية والصهيونية وكان الرئيس الأسد يعتقد أن حزب البعث العربي الاشتراكي يمكن أن يشكل بتحالفه مع القوى القومية والتقدمية القوة المتوثبة لروح الأمة لوقف كل الانهيارات التي نراها في الأمة الآن..‏

كانت مخاوف الرئيس الأسد على السلام نفسه تنبع من أن أي اتفاقية لا تأخذ بعين الاعتبار الحقوق كما الواجبات وتتجاهل الحقائق التاريخية والجغرافية والانسانية ستؤدي في كل لحظة تنقلب فيها الموازين لصالح (إسرائيل).‏

لولا تلك العقائدية التي يمتلكها الرئيس الأسد الحكمة التي يختزنها ولولا تلك المهارة العقائدية التي أظهرها في التعامل مع كل عنوان سياسي برز في وجهه لكانت ثمة متغيرات حدثت على الخارطة العربية سياسياً واقتصادياً.. ولكان الصمود العربي تحول الى نقطة الانكسار والاندفاع نحو عدد من الأطراف العربية وبخاصة بعد مؤتمر مدريد عام ..1991‏

ولكن أوقف كل ذلك.. واعتبر الرئيس الأسد أن أي سلام سياسي أو سلام تاريخي يجب أن يمر دون شك أولاً بالانسحاب الى حدود الرابع من حزيران والاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني بما فيها حقه في العودة الى أرضه واقامة دولته الوطنية وعاصمتها القدس..‏

نظرية الأمن القومي العربي في فكر حافظ الأسد ليست في اتفاقيات الدفاع المشترك وحسب و انما في الاقتصاد أيضاً وفي السياسة والاعلام والثقافة.. فالأمن العربي وحده لا يتجزأ كرد على واقع التجزئة وتأثيراته الضارة على مستقبل النظام الاقليمي العربي.‏

وأن تهديد الأمن القومي العربي يأتي من خارج النظام القومي العربي لا من داخله إذ لا يعقل أن تقوم دولة عربية بالاعتداء على دولة عربية أخرى.‏

و(إسرائيل )هي مصدر التهديد الأساسي للأمن القومي العربي.. وإن قضية فلسطين قضية قومية تطول تأثيراتها جميع الأقطار العربية ولو بدرجات مختلفة.. وتقع مسؤولية حلها على العرب جميعاً.‏

يقول السيد الرئيس قضية فلسطين قضية عربية مصيرية والتضامن كما نراه فعل ايجابي دوره في السلم يماثل دوره في مرحلة التصدي للعدوان وهو في الحالين ضرورة قومية وحضارية وانسانية.‏

في العاشر من حزيران كان رحيل القائد التاريخي الاستثناء:العظماء يرحلون ولا يموتون لأنهم يتركون في ذاكرتنا ووجداننا مجيد أعمالهم ووهج أفكارهم ونبل سيرتهم.‏

والرئيس الخالد حافظ الأسد ترك لنا قائداً تربى في مدرسته النضالية فاعتنق مبادئه,وحمل رايته.. وأبحر من مرافئه الى شواطئ الوطن الواسع..‏

إنه الرئيس بشار الأسد الذي توجهت إليه قلوب الجماهير.. وبايعته قبل أن تبايعه جهات القرار الرسمي.. فكان قرار مبايعته قراراً جماهيرياً ونضالياً أعلنه الوطن وفاء للقائد الراحل.. واقتناعاً بالرئيس الشاب بشار الأسد بأنه المؤهل نضالياً وأخلاقياً وعقائدياً للمضي نحو مرتسمات الأمة وثوابتها.‏

ظل القائد الخالد حافظ الأسد حريصاً على قرار عربي موحد لمواجهة المفاوضات وبخاصة دول الجوار المحيطة ورأى في خروج الفلسطينيين على القرار الموحد ضعفاً وتمزيقاً لقوة وحدة المسارات العربية وأن أميركا هي التي عملت على تفكيك وحدة الموقف.‏

كان يرى أن كل نقطة في اتفاق أوسلو تحتاج الى اتفاق وأثبتت الأيام فيما بعد أن كل تفصيل في هذا الاتفاق يحتاج الى واي ريفير.. وكل تفسير يحتاج الى جهد دولي ويؤدي الى تنازلات جديدة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية