|
معاً على الطريق لست وحدك، أتناول السندويشة وعيناي مسمرتان على مكان جميل، يبدو أنه مطعم ومقصف، لكنه مغلق، والأقفال التي لجمته أكلها الصدأ، أسأله: عنه يداور محاولاً الابتعاد عن الإجابة، لكنه يهمس بأذني قائلاً: حكاية طويلة، عندما تتوطد علاقتنا هنا، أرويها لك، طيب، لا بأس، ليكن لك ما تريد. حين عدت إلى بيت مضيفي أستاذ الفلسفة أبو إبراهيم، وكان الطقس ضاغطاً، حرارة الصيف بدأت تترك وشمها على الوجوه والنفوس والحقول، يدور الحديث المسائي تحت الشجرة وارفة الظل: أريد أن أسألك عن المطعم الذي يبدو أنه مغلق بالأصفاد الأبدية في المدينة!!! يعبس مضيفي قليلاً، معنى ذلك أنك كنت تأكل خارج البيت؟ لا، فقط سندويشة سريعة، يبتسم أبو ابراهيم، هذه حكاية طويلة، ربما أرويها لك يوماً ما، لكن لا عليك، أليس الطقس ضاغطاً جداً؟؟ بلى، إنه كذلك، ما رأيك أن نذهب إلى شط الفرات، مسافة قريبة، حين أسدل الليل ستوره، سيراً على الأقدام، لربع ساعة من المشي اختلف المشهد تماماً، مكان يطفح بالحياة، مئات الأكواخ القصبية، حفلات شواء وطعام، العدد يزداد كل ربع ساعة، امسك أبو ابراهيم بيدي، مضينا إلى ركن قصي قليلاً عن العيون، نادى أحدهم فلبى النداء سريعاً: أمرك أستاذ، (شوف الأستاذ..) فجأة بلا تحفظ: هل لديك بيرة؟. نعم، لدي، لكن لا أرى شيئاً هنا، لا عليك، ألا تريد بيرة؟ نعم، أريد.. يمضي إلى زورق صغير يحركه قليلاً، يصطاد سمكة كبيرة، ويعدها كأشهى ما يمكنني أن أتذكره، ما كادت تصل الأرض ومعها كل ما لذ وطاب، حتى حرك حبلاً وسحبه من النهر باتجاه الجلسة، أكياس كبيرة من الخيش، تبدو زجاجات البيرة، نقية شهية كحوريات بحر، باردة كما الفرات الذي كان يحضنها، يدفعني الفضول لأسأل: هل تخفيها عن العيون..؟ لا.. أبداً.. ليس الأمر كذلك،, هنا لا يوجد برادات، فقط نحافظ عليها، أما من العيون فلا، فكل حر بتصرفه، شرط ألا يسيء لأحد، يمضي الليل ندياً بهياً، أخبر أبا ابراهيم أني زرت مكتبة الشهيد، وأشتريت مجموعة كتب، وبحثت عن عنوان لم أجده عنده، يدلني على مكتبة الخابور، قرب المتحف الوطني، عصر اليوم الثاني كانت الوجهة مكتبة الخابور، أكتشف الشوارع واحداً تلو الآخر.. وأخيراً.. ها هي أمامي، يصمت صاحب المكتبة قليلاً ويسأل: أنت لست من الرقة؟ لا أنا من... ولكن لم السؤال؟. لأني لم أرك سابقاً بمكتبتي، إكراماً لزيارتك الأولى، ها هي نسخة منه، كنت أحتفظ بها، سوف أتدبر أمري بغيرها... في الرقة التي كانت وستبقى، زراعة القمح والفكر والعطاء، والكرم، مكتباتها كانت تضاهي عدد مطاعمها، ولكن ما الذي حدث وكيف؟ ألح على أبي إبراهيم بالسؤال: ما حكاية المطعم؟ يتلفت مبتسماً ويقفز بسؤال الجواب الدبلوماسي: هل تشرب بيرة اليوم...؟ نعم.. لكني أريد سر المطعم... دعه يوماً ما ستعرف لكن ليس الآن... وقد؟؟. |
|