|
شؤون سياسية الخيار النووي الاميركي ضد ايران مازال مستبعداً، لكن ليس في المطلق ، فإيران لن تمتلك بعد سلاحاً نووياً. حتى لو امتلكت، فهي لا تشكل تهديداً للأمن القومي الاميركي، غير أن امتلاكها هذا السلاح مستقبلاً ربما يشكل تهديداً لأمن «اسرائيل». إذا كان الأمر كذلك، فهل «تسمح» الولايات المتحدة لـ «اسرائيل» باستعمال السلاح النووي لإجهاض البرنامج النووي الايراني لتفادي قيام ايران نووية؟ وهل تمتثل «اسرائيل» لإرادة أميركا بعدم استعمال السلاح النووي إذا ما توصلت قيادتها السياسية و العسكرية إلى قرار بأن حماية أمنها القومي يتطلب قراراً من هذا القبيل؟ و هل تنجر أميركا إلى الحرب إذا ما انفردت «اسرائيل» بتوجيه ضربة عسكرية، تقليدية أو نووية، إلى ايران؟ لكن. هل تمتلك «اسرائيل» القدرة و الوسائل اللازمة لتوجيه ضربة عسكرية نووية إلى ايران؟ و هل بإمكانها تحمل خسائر بشرية ودمار وتداعيات اقتصادية واجتماعية ناجمة عن الرد العسكري الايراني المنتظر؟ وهل ثمة فعالية ترتجى من العقوبات الاقتصادية و غيرها من الاجراءات العقابية لحمل ايران على التخلي عن برنامجها النووي، و التفادي تالياً، صداماً عسكرياً وربما نووياً معها؟ في ضوء المعطيات المتوافرة لدى مراكز الدراسات الاستراتيجية و المعلومات المنسوبة إلى أجهزة الاستقصاء الأطلسية، فقد قدر خبراء استراتيجيون أن لدى «اسرائيل» أكثر من 400 قنبلة نووية، و أنظمة صواريخ عابرة للقارات و طائرات مقاتلة ناقلة للأسلحة النووية و اطلاقها، و غواصات قادرة على شن هجمات صاروخية نووية. والجواب عن السؤال الثاني، ما زال غير دقيق وهو حالياً مثار جدل حار في «اسرائيل» والولايات المتحدة. وقد رشح من سجالات صحفية جرت في «اسرائيل» أن نتنياهو ووزير خارجيته ايهود باراك «مستعدان لدفع أثمان باهظة» تصل إلى مليون في مواجهة محتملة مع ايران. وعن السؤال الثالث، في ضوء العقوبات التي ما زالت أميركا و حليفاتها تعتمدها حالياً و تهدد بتصعيدها وتعتقد أن من شأنها حمل ايران على التخلي عن برنامجها النووي أو التوصل معها إل تسوية في هذا المجال «اسرائيل» غير مقتنعة البتة بأن العقوبات في وضعها الحالي أو بعد تصعيدها كافية لمواجهة التحدي الايراني. ذلك أن جوهر الأزمة مع ايران، في رأي «اسرائيل» ليس امتلاكها سلاحاً نووياً، بل تحولها قوة اقليمية متنامية في قدراتها و متوسعة في نفوذها. في ضوء هذه المعطيات، قد تجد «اسرائيل» ضرورة ودافعاً لضرب ايران قبل أن تقوى وتتعاظم قدراتها فيصعب لجمها أو التغلب عليها. لذلك تسعى «اسرائيل» إلى اقناع ادارة أوباما بوجوب عدم التأخر في ضرب ايران. وتجد من يصغي إليها في واشنطن. غير أنها لن تتوانى عن اتخاذ قرار الحرب ضد ايران منفردة إذا ما وجدت نفسها قادرة على تحقيق الغاية المرتجاة وتحمل الثمن الباهظ الذي يتوجب دفعه. ادارة أوباما تدرك، بلا شك، أن في وسع «اسرائيل» اتخاذ قرار الحرب ضد ايران من دون ضوء أخضر منها. كما تدرك أن «اسرائيل» قادرة بواسطة نفوذها القوي و المتجدد في الكونغرس، على تغطية قرار الحرب و حتى حملها، «أي الادارة»، على دعمها و مساعدتها، و لكن، هل تنجر أميركا إلى حرب «اسرائيل» ضد ايران إذا ما تأكدت أن «اسرائيل» ستستعمل السلاح النووي لاختصار مدة الحرب وتحديد خسائرها؟ ادارة أوباما تدرك أنها ستنجر إلى الحرب بفعل نفوذ أنصار «اسرائيل» وأنصار الحرب ذاتها في الكونغرس. لذلك تسعى إلى تفادي هذا الخطر الماثل و تداعياته عن طريق خلق وضع في الشرق الأوسط من شأنه اقناع «اسرائيل» بزوال الحاجة إلى استعمال سلاح نووي في حربها المحتملة على ايران. الوضع الجاري جعله يتمحور في استثمار أزمة سورية على نحو يؤدي إلى استنزافها وشلها، فلا تعود قادرة على الوفاء بموجبات تحالفها مع ايران. بعبارة أخرى، تسعى ادارة أوباما إلى استنزاف سورية وتعطيل فعاليتها السياسية و القتالية، الأمر الذي يمكن أن ينعكس سلباً على حفلائها بين قوى المقاومة، فيسهل على «اسرائيل» -في ظنها-، الانفراد بإيران و ضربها بأسلحة تقليدية متطورة و بالتالي لجم تحولها قوة اقليمية مركزية. هذه المقاربة الاميركية لمسألة الضربة النووية «الاسرائيلية» لإيران تبدو ظاهراً، معقولة. لكنها تشكو من نقطتي ضعف بارزتين: قدرة سورية على الانخراط في الحرب و التالي الرد بقوة رغم أزمتها المتفاقمة، وقدرة ايران على الرد أيضاً في محيطها، كما على «اسرائيل» بصواريخها البعيدة المدى و ذلك بأسلحة متطورة يتعذر، حالياً، تقدير قوتها و فعاليتها. |
|